الانتخابات الجماعة تقترب، ليس في طنجة، بل في المغرب كله، لكن الانتخابات في طنجة لها طابع خاص، لأنها من بين المدن الأوائل التي تعرف نسبة قياسية من البيع والشراء في الأصوات، وهي أيضا المدينة الأولى في المغرب التي تعرف نسبة مقاطعة قياسية للانتخابات.
هناك خاصية انتخابية في طنجة وهي أن أصحاب المعامل والمصانع يحولون عاملاتهم وعمالهم على أرقام انتخابية وازنة، وهناك رجال أعمال دخلوا السياسة من هدا الباب، باب إرغام عمالهم على التصويت لهم.. وإلا..
العمال والعاملات في معامل طنجة، وأغلبيتهم الساحقة من مدن وقرى بعيدة، لا يصلحن فقط للإنتاج، بل للسياسة أيضا. وخلال الانتخابات السابقة تحول الآلاف من العمال والعاملات إلى زبائن للتجمعات الانتخابية، حيث كانوا يملؤون القاعات والساحات خلال الحملات الانتخابية التي ينظمها منتخبون لهم مصانع، أو ممن لهم أصدقاء أصحاب مصانع.
الغريب أن أصحاب المصانع يركزون على العاملات، لأنهن الأكثر خضوعا وطاعة، وكل عاملة تحضر التجمعات الانتخابية تقبض 50 درهما زيادة عن الأجر اليومي، مع سندويتش بسيط من البيض والتون، ويمكن أن تعود إلى منزلها حتى قراءة منتصف الليل.
أصحاب المعامل في طنجة كانوا دائما يحصون أنفاس وأصوات عمالهم قبل خوض أي انتخابات. فالباطرون الذي يشغل 2000 عامل مثلا، يعرف مسبقا أنه سيضمن ألفي صوت، ثم يبدأ البحث عن أصوات أخرى، وكل من لم يصوت يكون مصيره الطرد الفوري.
هناك أيضا التحالفات التي يعقدها أصحاب المعامل فيما بينهم. فعائلة الأربعين مثلا، والتي لها معامل كثيرة، تعتبر أن العمال هم خزان انتخابي حقيقي، وهم يترشحون دائما ويتحالفون من أجل صب أصوات العمال والعاملات في طواحين مترشحيهم أو لصالح المتحالفين معهم.
هناك مسألة أخرى تدل على عبودية حقيقية بدأت تظهر في مصانع طنجة، التي تتحول شيئا فشيئا لتصبح مركزا اقتصاديا كبيرا. فالعمال لم يعودوا يتوفرون على بطاقات خاصة تحمل صورهم وأسماءهم، بل مجرد أرقام فقط مكتوبة على بطاقات يعلقونها على صدورهم.
تحول العمال والعاملات إلى مجرد أرقام، تجعلهم لا يختلفون في شيء عن السجناء الذي تنزع منهم إنسانيتهم عبر تحويلهم إلى مجرد أرقام داخل زنازن. إن الاقتصار على اعتبار السجين مجرد رقم هو عقوبة ضده بسبب جرائم ارتكبها في حق المجتمع، أما تحويل العامل إلى مجرد رقم فهذه جريمة في حقه وفي حق الإنسانية.