المخرج السينمائي الإسباني دانيال مونثون، أخرج قبل بضعة أسابيع فيلما اسمه “جنة الولد” عن الحشيش المغربي، وركز بالضبط على حياة محمد الطيب الوزاني، المعروف باسم “النيني”، الذي كان قد صنع الأحداث قبل سنوات حين هرب من سجن القنيطرة، ثم اختفى وكأن الأرض انشقت وابتلعته، قبل أن يعود إلى الظهور قبل أسابيع في مشهد واقعي مثير، لم يستطع المخرج السينمائي نفسه أن يتوقعه.

المخرج مونثون أخرج فيلما عن حشيش النيني، ولم يكن يتوقع أن يحظى فيلمه بنجاح كبير، وكل ما كان يتوق إليه هو أن يخلق بعض الضجيج الإعلامي في المغرب وإسبانيا حول حشيش المغرب، لكن ما حصل عليه المخرج هو أكثر من الحظ، لأنه قبل بضعة أسابيع خرج “النيني” في نزهة بحرية، في الواقع وليس في الفيلم، وجلس يستمتع بين زرقة البحر والسماء في شاطئ ما بين سبتة وتطوان، وفجأة اقتربت مجموعة مسلحة من زورقه وبدأ إطلاق نار كثيف. يومها قيل إن “النيني” غرق، وقيل إنه نجا، وقيل أيضا إنه اختُطف، وقيل إنه هرب إلى هولندا ويجري عملية تجميل لتغيير ملامحه.

فيلم “جنة الولد” خرج إلى القاعات السينمائية يوم التاسع والعشرين من غشت، وأكيد أنه سيحصد مداخيل كبيرة، لأن الفيلم حصل على دعاية مجانية وواقعية من البطل نفسه، الذي لا يزال حتى الآن مختفيا بعد حادث إطلاق النار عليه.

لكن مقابل الفيلم الإسباني عن “النيني”، فإن المغاربة أنتجوا من قبل فيلما مثيرا عن النيني نفسه، لكنه فيلم واقعي مائة في المائة ولم يتحول إلى شاشات السينما.

الفيلم المغربي حول النيني أكثر إثارة من الفيلم الإسباني، ومن بين فصوله أن النيني كان سجينا في سجن القنيطرة، وهناك كان يتصرف وكأنه اشترى السجن وحفظه باسمه. ولو أن مخرجا سينمائيا شجاعا التقط تفاصيل النيني في سجن القنيطرة لتحول فيلمه إلى حدث كبير، لكن مأساتنا نحن المغاربة هو أن مخرجينا تخصصوا في اصطياد أموال الدعم لبناء الفيلات وركوب سيارات الكاتْ كاتْ، أما السينما الحقيقية فلتذهب إلى الجحيم.

في الفيلم الواقعي الذي جرى في سجن القنيطرة، تم الإعلان في صباح يوم ما عن هروب النيني، لكن لا أحد شرح لنا كيف هرب، لا مدير السجن ولا الحراس ولا الوكيل العام ولا الحكومة ولا الأمم المتحدة، المهم أن المغاربة سمعوا أن بارون المخدرات هرب من السجن، ثم بلغهم أنه آوى إلى جبل في سبتة يعصمه من الملاحقة، وهناك أطلق شتيمة كبيرة في حق المسؤولين المغاربة، ثم اختفى.

لكن الراسخين في علم السجون المغربية قالوا إن النيني لم يهرب يوما، وأنه كان يخرج من سجن القنيطرة ويعود إليه متى شاء. كان يذهب إلى “الديسكو” والمراقص شتاء، فيسهر حتى ساعات الصباح ثم يعود فيجد أبواب السجن مشرعة في وجهه، وفي الصيف يتوجه إلى شواطئ مولا بوسلهام وشواطئ الشمال ثم يعود إلى زنزانته متى شاء.

ويقول الذين يعرفون “العدالة العميقة” في “المغرب العميق” إنه في صباح يوم ما عاد النيني إلى السجن متأخرا بعد سهرة صاخبة، فوجد لجنة تفتش حلت بالسجن، فلم يجد مسؤولو السجن ما يبررون به الموقف سوى الادعاء بأن النيني هرب، وتم تسجيل السجين الرفيع كهارب.. وانتهت الحكاية.. أو كادت.

لكن بعد بضعة أسابيع عاد النيني إلى نفس السجن، ليس من تلقاء نفسه، لكن بعد أن تسلمه المغرب من إسبانيا، وبمجرد أن أقفلت عليه باب الزنزانة حتى انقطعت أخباره وكأن الرجل دخل إلى قبر.

المغاربة ليس من عادتهم أن يتابعوا الناس في زنازنهم، لذلك نسوا النيني وحماقاته، ومرت السنون تلو السنون، إلى أن سمعوا قبل أسابيع أن هذا “السجين” قد تم الهجوم عليه وهو في نزهة بعرض البحر بشواطئ تطوان، أي في نفس المنطقة التي تزدحم كل صيف بكبار القوم وأعيان البلاد، وكأن الله سبحانه أراد أن يفضح الجميع بقضية اعتبرت نسْيا منسيّا.

اليوم، في خضم لغز ما جرى للنيني، وهل مات غرقا أم هرب أم اختطف، يريد المغاربة أن يعرفوا بعض الأشياء البسيطة، وهي متى خرج الطيب الوزاني “النيني” من سجن القنيطرة؟

يريدون أن يعرفوا كيف خرج سجين من حجم “النيني” من السجن في هدوء وصمت مثيرين، من دون بيان ولا إعلان ولا خبر في صحيفة؟! !

وزير العدل، سّي مصطفى الرميد، رجل نعرف صدق طويته، لذلك نريد منه أن يشرح للمغاربة كيف أن “النيني” الذي كان محكوما بثمان سنوات، وأضيفت إليها خمس سنوات أخرى كعقوبة على الهرب، خرج من السجن ومن العقوبة كما تخرج الشعرة من العجين.

أخبرنا يا وزير العدل.. وأخبرنا يا رئيس الحكومة.. متى خرج النيني من سجن القنيطرة ووصل إلى شواطئ تطوان للاستجمام؟ أخبرونا كيف حدث ذلك في الوقت الذي ينص القانون على أنه كان يجب على “النيني” أن يكون داخل زنزانته وليس في زورق فاخر للاستجمام؟

أخبرونا فقط لتطمئن قلوبنا.. فهذه حكاية لا يُسكت عليها

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version