قبل بضعة أيام انفجرت أحداث دامية بإحدى ضواحي طنجة ولقي مواطن إفريقي مصرعه ووصلت الاضطرابات حتى وسط المدينة ثم نشب جدل حول العنصرية في المغرب.

في كل مدن المغرب، تقريبا، تحدث اضطرابات تكون أكثر خطورة، وقد يذهب ضحيتها العشرات ويتم فيها استعمال كل أنواع الأسلحة البيضاء.. وحتى بنادق الصيد.

وفي مناطق نائية بالمغرب تنشب خلافات خطيرة بين القبائل حول مناطق الرعي فيتحول الخلاف إلى معارك طاحنة وكأنها تجري بين بلدين عدوين وليس بين أفراد شعب واحد في بلد واحدة.

لكن ما جرى في طنجة لقي الكثير من الأصداء لأنه وقع بين مغاربة وأفارقة، لذلك خرج أولئك “العباقرة المتنورون” ودقوا نواقيس الخطر وقالوا إن المجتمع المغربي صار مجتمعا عنصريا لأن مواطنا سنغاليا مات على يد مغربي.

منذ زمن طويل مات آلاف المغاربة على يد آلاف المغاربة ولم يقل أحد إن المغاربة عنصريون ضد بعضهم البعض، لكن عندما يموت مواطن إفريقي على يد مغربي يقال إن المغاربة صاروا عنصريين، ويتم وصف الجريمة بأنها عملية ذبح. ماذا، مثلا، لو أن المغربي الذي قتل المواطن السنغالي هو الذي مات في تلك المشاجرة؟ هل كان “الجهابذة المتفلسفون” عندنا سيقولون إن المواطن الإفريقي قتل المواطن المغربي بداعي العنصرية؟

في أحداث طنجة حدث ما يحدث عادة بين المغاربة أنفسهم. ففي تلك المنطقة بنى وحوش العقار علب وقيد، بعضها فوق بعض، وباعوها لمغاربة يريدون أن يحصلوا على قبر الحياة، وأقل ثمن هو 25 مليون سنتيم، وكثيرون من الذين اشتروا تلك الشقق هم من مغاربة الخارج، بعضهم تركوها فارغة وهاجروا، وبعضهم أجروها لآخرين. ما حدث هو أن عددا من المهاجرين الأفارقة فتحوا أبواب عدد من الشقق الفارغة وسكنوها عنوة، وآخرون انضبطوا للقانون واكتروا عددا من الشقق، بغض النظر إن كانوا يدفعون الإيجار أم لا، وبعدها انفجرت المشاكل، فكان ما كان.

هكذا تحول صراع عادي إلى قضية عنصرية، وصار فلاسفة كثيرون يكتبون المقالات ويدبجون التصريحات ويحذرون من ارتفاع العنصرية في المجتمع المغربي ضد الأفارقة، وكأن المغرب يوجد في سيبيريا وليس في قمة القارة الإفريقية، أو كأن المغاربة شقر بعيون زرقاء، بينما نسبة كبيرة منهم لهم أصول إفريقية واضحة ومباشرة.

الذين يتحدثون عن العنصرية في أحداث عنف عابرة، ربما كانوا مصابين بسباب شتوي طويل المدى. فقبل بضعة أسابيع كانت العنصرية الحقيقية تغني وترقص على إيقاع “رقّصْني يا جدع” في عدد من شواطئ تطوان. هناك كان حراس غلاظ شداد يقفون على أعتاب شواطئ خاصة لا يدخلها إلا المتسخون بالفساد وأموال الشعب وثروات المخدرات. في تلك الشواطئ، التي يقال لنا إنها مغربية، كانت العنصرية تمارس بشكل يشبه العنصرية التي كانت سائدة في جنوب إفريقيا أيام “الأبارتهايد”، ورغم ذلك لا أحد من فلاسفتنا الكبار انتفض وقال إن ما جرى ويجري في شواطئ تطوان خلال الصيف هو عنصرية بغيظة. صحيح أن المغاربة لهم سحنات وألوان متقاربة، لكن ألوان وأحجام جيوبهم مختلفة، لذلك فالعنصرية عندنا ليست قائمة على اللون، بل قائمة على الجيب، وهذه أسوأ أنواع العنصرية.

في الحياة اليومية للمغاربة ألوان كثيرة للعنصرية التي لا يكاد ينتبه إليها أحد، وهي عنصرية السادة ضد العبيد، وعنصرية الأغنياء ضد الفقراء، وعنصرية العائلات الكبيرة والمتنفذة ضد أسر ودراويش المغرب العميق والحقيقي، وعنصرية الألقاب المسجلة ضد الألقاب العشوائية.

العنصرية الحقيقية في المغرب توجد أيضا في دهاليز العدالة وكواليس المحاكم، حيث يمارس “الأبارتهايد” القضائي بطرق مقززة وبشعة، تفوق بشاعة عنصرية اللون، وانظروا إلى السجون كم يوجد فيها من لصوص صغار، بينما اللصوص الكبار يتنعمون بالحياة ومباهجها.

العنصرية في المغرب توجد في ذلك الفارق المخيف بين مستشفيات الأغنياء ومستشفيات الفقراء، وهو فارق لم يكن يوجد حتى في جنوب إفريقيا ولا في الولايات المتحدة الأمريكية أيام مجد جماعة “الكُوكْلُوكس كْلان”.

العنصرية المقززة في المغرب تحدث في حواجز الدرك والجمارك والشرطة، حيث يرتكب الغني مخالفة فيعتذر له الأمني ويعطيه “سلام تعظيم”، ويرتكب “الدرويش” مخالفة فينتفون جيبه ويقولون له إن المغاربة سواسية أمام القانون كأسنان المشط، بينما القضية أن الأمر يتعلق بأسنان التماسيح وليس بأسنان المشط.

في المغرب يتحدث “الفلاسفة المتنورون” عن عنصرية مغاربة يستعملون كلمة “عزّي”، ولم ينتبهوا إلى مغاربة أكثر يستعملون عبارات “لعرْج” و”القزم” ولقْرع” و”بولْحية” و”الدبّ” و”بولبْرص” و”لعْور” وغيرها كثير. العنصرية ليست فقط عنصرية لون، بل احتقار للآخر في كل صفاته.

لنتفق على شيء واضح وهو أن المغرب فيه عنصرية فعلا.. إنها عنصرية الأغنياء ضد الفقراء.

damounus@yahoo.com

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version