ككل سنة، كانت مهنة “تشويط الريوس”، حاضرة بقوة في كل أحياء طنجة الشعبية يوم عيد الأضحى، وكانت فرصة للكثيرين، وخاصة العاطلين عن العمل، لاقتناص مصروف موسمي قد يرفع عنهم بعض التكاليف المادية لأسبوعين أو ثلاثة، لكن لهذه المهنة أيضا استعدادات قبلية غير سهلة، وتبعات صحية خطرة، إلى جانب أنها وبال نظافة الأحياء، ورغم أنها بالنسبة لبعض الشباب والمراهقين فرصة من ذهب، فهي بالنسبة لباقي السكان “صداع في الرأس” يتكرر كل عيد أضحى.
استعدادات قبلية
يختار سعيد، ذو الـ22 عاما، 3 من أصدقائه للشروع في المهمة، وبلُغة صارمة يكلف أحدهم بإحضار البرميل القصديري الذي اقتنوه قبل 3 سنوات، ويكلف الآخر بإحضار كمية من الأحجار الضخمة، ثم يطلب من الثالث إحضار القضبان الحديدية، فيما سيتولى هو إحضار الفحم وخشب ومواد الاشتعال.
“إنها مهنة نستعد لها قبل مدة من موسم العيد، حتى لا ينقصنا شيء في اليوم المنتظر”، يقول سعيد، وعلى وجهه تبدو علامات الحماس، فهذا الشاب الذي لا عمل له ولا دراسة، يعتبر مهنة “تشويط الريوس”، وسيلة لكسب مال يريحه من سؤال والده، وما يرافق ذلك من عتاب يضايقه.
بداية العمل
فوق بقعة أرضية منعزلة في حي السواني، يقوم سعيد ورفاقه، ليلة العيد، بحفر حفرة عميقة ووضع البرميل داخلها ثم الحجارة، وأمامها يقوم محسن، وهو أحد المساهمين الأربعة في المشروع، بإعداد خيمة من البلاستيك والخشب، ليعلن الجميع أن هذا المكان صار منطقة لنفوذهم.
“أنت ستذهب للحي الفلاني، وأنت للمكان الفلاني، وأنت ستقصد هذا المكان”، هكذا يشرح عبد الرحيم، الطالب العشريني في إحدى المدارس التقنية، لزملائه خطة الانتشار بين دروب المنطقة، والمهمة طرق الأبواب لإقناع الناس بجودة عملهم، ومن تم العودة بأكبر عدد من رؤوس وأرجل الخراف.
مكسب وخسارة
بثمن محدد في 50 درهما، قد يزيد بسبب حجم الرأس أو قد ينقص بفعل “شطارة” صاحبه وخجل “سعيد” رفاقه، ينطلق العمل مباشرة بعد صلاة العيد، وحتى قبل أن يشهد الرباعي عملية النحر في منازلهم، فالأولوية اليوم للعمل في يوم لا يعمل فيه جل الناس.
ليس لهذه المهنة مدخول ثابت، يؤكد مروان، أحد أفراد “الطاقم”، فخلال السنوات الأربع الماضية التي مارس فيها الرباعي هذا العمل، كان الربح متباينا، فذات سنة وصل إلى 1200 درهم لكل واحد، وفي السنة الأولى لم يتجاوز 300 درهم، ولا ننسى أن عددا السكان يفضلون تسليم الرؤوس إلى مختصين في منطقة الحدادين، معتبرين أن عمل الشبان ما هو إلا “لعب أطفال”.
لكن سعيد يلفت الانتباه إلى أمر لا يلقي له الكثيرون بالا، فهؤلاء الشبان، سيجدون انفسهم مجبرين على إنفاق جزء مما كسبوا، أو ربما كله، في علاج أنفسهم من مشاكل التنفس وآلام العيون التي سيعانون منها بعد انقضاء اليوم، هذا دون نسيان المشاكل التي لا مفر منها مع الزبائن، فأحدهم قد لا يعجبه “المنتوج”، والآخر قد يصر على أن الرأس الذي منحه للمجموعة أكبر من هذا الذي سلم له!
نظافة الحي في خبر كان
رغم إصرار سعيد وأصدقائه على أنهم يقومون بتنظيف مخلفاتهم، إلا أنه “سي على”، أحد سكان الحي، يصر على أن المنطقة تعاني كثيرا بسبب هذا المشروع، سواء على مستوى النظافة، أو بفعل الأدخنة الخانقة التي لا تراعي أطفالا ولا شيوخا ولا مرضى.
“أنا أقطن قرب هذا المكان، وأعاني كل عيد أضحى من الروائح الكريهة التي تقتحم منزلي بسبب مثل هذه الأعمال.. أنا لست ضد عمل هؤلاء الشبان، وأقدر ظروفهم ومجهودهم، لكن عليهم أن يقدروا هم أيضا وضعنا وأن يستقروا بأماكن بعيدة عن المنازل”، يقول سي علي.
لكن، رغم الاقتناع المصطنع الذي يبديه سعيد ورفاقه بكلام سي علي، ورغم كل سلبيات هذا العمل، خاصة الصحية، إلا أنهم سيستمرون في مهنتهم الموسمية كل سنة.. هذا ما يتداولونه بعد رحيل الجار، لأنه بالنسبة لهم قدر وليس خيارا، إلى أن يشاء الله، ويجدوا عملا آخر يعفيهم من هذه المهة الشاقة.