قبل حوالي 15 سنة، وفي أولى سنة من حكمه، كانت الزيارة الطويلة التي قام بها الملك محمد السادس إلى طنجة حدثا غير مسبوق. الناس لم يعتادوا زيارة ملكية بتلك الصورة وهم الذين تعودوا من قبل أن يأتي الملك الراحل الحسن الثاني متخفيا أو من وراء حجاب، وأحيانا من أجل استقبال ضيف مثير للجدل ثم يرحل سريعا، كما حدث مع شيمون بيريث سنة 1986 أو مع آخرين.

اليوم يبدو وجود الملك محمد السادس في طنجة شيئا مألوفا، والناس تعودوا على رؤيته أكثر من مرة في السنة الواحدة، ورغم ذلك فإنه لا يوجد تقليد راسخ في طنجة يدفع الناس إلى ترصد تحركات الملك من أجل تسليمه رسائل تتضمن طلبات من أجل الحصول على امتيازات معينة مثل عمل أو رخصة نقل. الناس عموما يحسون بنوع من القناعة بحياتهم، وفي كثير من المرات التقى شبان من المدينة بالملك والتقطوا معه صورا، ثم انصرفوا.

لكن الناس بالمقابل، يتمنون لو أنهم يسلمون الملك لائحة بمطالبهم الجماعية التي يتداولونها فيما بينهم في المنازل والمقاهي، ويعتقدون أن مشاكل طنجة الحقيقية لا تصل الملك، أو أنها تصل مشوهة.

سكان طنجة، لو قدر لهم أن يسلموا الملك رسالة يضمنونها ما يريدون، فإنهم سيكتبون فيها أشياء كثيرة عن فوضى العقار. عن الغابات التي تم سحقها لكي تبنى فيها أحياء عشوائية، وعن “مدن الملح” الجديد في مداخل طنجة، مثل مدخل طنجة من ناحية طريق الرباط، الذي يعتبر فضيحة حقيقية، باعتراف وزير السكنى نفسه، وأيضا سيتحدثون عن تلك العمارات التي نشأت في قلب شاطئ طنجة، وعلى بعد أمتار من وديان الصرف الصحي. وسيتحدثون عن مدن البؤس في نواحي بني مكادة ومسنانة، وعن المدن العشوائية التي نبتت أمام عيون السلطة والمنتخبين.

لو قدر لسكان طنجة أن يضعوا بين يدي الملك رسالة، لاشتكوا له من الفواتير الخيالية لشركة فرنسية اسمها “أمانديس”، والمختصة في حلب جيوب السكان عن آخرها. هذه الشركة التي تقول إنها مكلفة أيضا بتطهير السائل والحد من التلوث، بينما لا تزال وديان كثيرة للصرف الصحي تفرغ في قلب الشواطئ، وأبرز مثال على ذلك شاطئ “مرقالة”، الذي كان جنة بيئية فتحول إلى كارثة بيئية.

لو قدر للطنجويين أن يكتبوا رسالة جماعية للملك لكتبوا فيها استغرابهم كيف أن طنجة، بسكانها الذين يفوقون المليونين، تفتقر لمسرح واحد، ولا يوجد بها مركب ثقافي، والمكتبات الصغيرة التي بنيت تسرح فيها الجرذان، ولماذا لم تخصص البقعة الأرضية الكبيرة التي كان مقررا أن يقام فيها المعرض الدولي لإنشاء متحف عالمي كبير، حتى لا تبقى طنجة فقط في عهدة السماسرة والجشعين ومبيضي الأموال.

محبو الرياضة في طنجة، يتمنون بدورهم إيصال رسالة إلى الملك يتساءلون فيها كيف أن مدينتهم، التي تحتضن مشاريع اقتصادية عملاقة، تفتقر لفريق في المستوى، والذي يقبع لسنوات طويلة في القسم الثاني كأنه فريق ينتمي غلى قرية لا تجد ما تأكل.

لو قدر سكان طنجة أن يبعثوا رسالة للملك لطلبوا فيها أن تتوقف عمليات خصخصة الشواطئ التي أصبحت تتناقص صيفا بعد آخر، بحيث يتزايد عدد السكان بشكل مدهش وتتناقص الشواطئ بشكل مخيف. أما الطرقات فإنها تتحول إلى ثقوب بعد أيام فقط من إصلاحها، والمدينة التي تغرق عند أول زخة مطر.

سكان طنجة سيطلبون أيضا مدارس أكثر لأن الهجرة الحالية نحو طنجة لم تحدث من قبل، غير أن كل هذه المصانع والمعامل التي تستقبل آلاف الأيدي العاملة لا توازيها عملية بناء مدارس جديدة لاستقبال التلاميذ الجدد، فصار من الطبيعي أن فصلا دراسيا واحد يمكن أن يزدحم بحوالي 70 تلميذا.

لو قدر لسكان طنجة أن يقدموا رسالة باحتياجاتهم لطلبوا فتح طرقات جديدة تخفف من الاختناق المهول في حركة السير، ولطبلوا منه هدم مستشفى محمد الخامس وتحويله إلى ركام، لأنه لا يصلح لشيء، وبناء مستشفى حقيقي مكانه، مع مستشفيات أخرى كثيرة تقلل من الكوارث الصحية الكثيرة في المدينة.

لو قيض لسكان طنجة أن يبعثوا رسالة إلى الملك لطلبوا فيها أن يتم إبعاد كل اللصوص وناهبي المال العام ومافيا المناطق الخضراء وسماسرة الانتخابات عن مشروع طنجة الكبرى، لأنه لا يعقل أن تتحرك طنجة نحو المستقبل بنفس لصوص الماضي والحاضر.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version