التقيت صديقتي هاته صدفة في رحلة عمل إلى باريس، هي امرأة في سن والدتي لكنها تبدو شابة في الثلاثين، حيوية وأنيقة.. وهاي.. تحكي لبناني.. ابتسامتها لطيفة ووجهها بشوش. تحب المرح والحياة،، تشرب النبيذ المعتق وتختاره بعناية فائقة تنصت بأنفها جيدا إلى رائحته قبل أن ترشف الكأس وتصيح الله شو حلو ..هي مسلمة سنية كما تقول تزوجت دبلوماسيا أوروبيا، بناتها يشبهنها ويتمتعن بجمال أخاذ وطلة بهية وروح جميلة جدا. فاجأتني كثيرا حينما علمت أنها كانت ربان طائرة وبعدها اختارت أن تدخل عالم النشر ،،،الطيران أرهقها ولم تعد تتحمل إحساس التعلق بين السماء والأرض. طلبت الطلاق لأنها تريد الانطلاق دائما وتكره القيود. سافرت وعاشت في كل دول العالم وتعلمت أن تعيش مبدئها الاستمتاع بالحياة مادامت على قيدها والاجتهاد من اجل تطوير الذات ..في باريس بدت منطلقة حرة بديعة تغني وتحتسي كؤوس الشراب ولا تدخن ،،،تستطعم كل ألوان الأكل الفرنسي الحلال منه والحرام وخبيرة في كل تشكيلات النبيذ،،، لا يمكنني أن انتقد فيها شيئا أو أتعامل بحذر المتدينين العارفين بأمور الدين والدنيا ،،،بل أثارت إعجابي بها حين نبهتني وأنا أهم باختيار شوربة للعشاء قائلة بهدوء انتبهي حبيبتي بيْحطّو فيها “بايكين”.. انتي مابتاكلي لحم خنزير مش هيك؟
لطيفة رقيقة.. الرقي جزء منها لا تتصنعه أو تدعيه… الحقيقة أني لم أفطن بداية إلى أني أتعرف إلى امرأة من المجتمع المخملي اللبناني، فحديثها وتعاملها واندماجها السريع مع زملائها توحي أنها منا والينا،،، لم ألحظ علامات الغنى، بل العكس، كانت آية في البساطة إلا حينما اقترحت علي أن نتبضع معا من محل باريسي راق،،، هناك فقط أدركت أني أرافق امرأة ثرية ذواقة للبريستيج. كانت تتسوق الماركات العالمية، منها ما أعرفه ومنها ما لم أسمع به قط. كانت تشتري أمامي بأريحية وتدفع بـ”الكولدن كارت”.. في جولة دقائق كانت قد ابتاعت ما يفوق عن 5000 أورو، قلت مع نفسي اللهم لا حسد… رأفة بي وبأموالي المعدودة افتعلت عذرا عابرا واستأذنت للخروج للقاء صديقة مغربية تعيش في باريس. خرجت أردد اللهم لا حسد اللهم لا حسد. أخذت طاكسي إلى الفندق وانغمست في حمام دافئ أتأمل حال الدنيا في عاصمة الأنوار.
في المساء انطلقت وصديقتي المغربية في عالم باريس بين أنفاق الميتروهات ومطاعم الحي اللاتيني، هناك حيث وجدت أناسا يشبهونني وأشبه حالهم،،، عالم باريس عجيب وملون يمكن أن تعيش كلً المستويات وتستمتع بالحياة المهم أن لا تحدث لك صدمة الحضارة. ولبس قدك يواتيك، صديقتي “الهاي” ودعتني بحرارة ليلة الغد بعد أن اقترحت علينا عشاء عريقا في أحد أشهر مطاعم باريس،، ما تزال ابتسامتها عالقة بخيالي، ولازلت أتساءل أحيانا بحدة من أين اكتسبتْ فن العيش بكل تفاصيله من الألف إلى الياء،،، فعلا يواتيها الرقي جدا وتستحقه بكل ما في الكلمة من معنى،،، الرقي أصل وطبع وفن لا يدركه، أو على الأصح، لا يليق بأي كان. إنه يليق جدا بصديقتي اللبنانية التي استفزت أسئلة وجودية بداخلي وجعلتني أنبهر بامرأة فريدة تتقن فن العيش وتستمتع بكل تفاصيل الحياة. الرقي مثير جدا.
سميرة مغداد، مديرة مكتب مجلة “سيدتي” بالمغرب