صنعت زيارة الملك لمناطق التوتر ببني مكادة، أمس الاثنين 24 مارس 2014، الحدث، خلال تواجده بطنجة، لدرجة أن المتابعين نسوا لوهلة المشاريع المدشنة في إطار برنامج طنجة الكبرى، والتي تجاوزت قيمتها 720 مليون درهم، والتفتوا فقط لهذه الزيارة الاستثنائية في زمانها ومكانها.
الملك ولا شك، كان يعلم أن فضاءات أرض الدولة وساحة تافيلالت وشارع مولاي سليمان، التي مرت منها سيارته، كلها أماكن شهدت قبل أيام قليلة مواجهات خطيرة بين الأمن وسكان بني مكادة، وأن هذه المقاطعة، لها مع “المخزن” صراع طويل، ما تفتؤ نيرانه تخبو حتى تعاود الاشتعال بشكل خطير.
اختار الملك أن يمر من وسط مناطق التوتر، رغم أن مساره هذا لم يكن مرسوما في البرنامج الرسمي المعلن، وكما لو أن الملك كان متأكدا بأن الأمور ستمر بسلام، لم تشهد هذه الرحلة السريعة أمرا غير طبيعي، بل إن الشكل الذي يتحلق به الناس حول الموكب الملكي في أي منطقة في المغرب، تكرر في بني مكادة.
رسالة أساسية ومباشرة يسهل فهمها من خلال هذه الزيارة، وهي أن الملك يعتبر بني مكادة، منطقة من طنجة كغيرها من المناطق، وأهالي المنطقة أيضا أكدوا أنهم بشر عاديون كغيرهم من سكان أي منطقة من مناطق المغرب، لا هم بعصابات مسلحة ولا بتلة خطيرة من الفوضويين كما حاول الكثير من المسؤولين الرسميين تصويرهم.
هذه الرسالة، وإن كان مضمونها واضحا لا يحتاج لجهد كبير لفهمه واستيعابه، إلا أن تطبيقها هو الجزء الصعب، فهذه المنطقة، ظلت مشكلتها الأساسية هي الظلم الذي تعاني منه بشكل فردي أحيانا وجماعي أحيانا، من مصالح الأمن تارة، ومن المنتخبين تارة، ومن المتحكمين في المنطقة ممن “لا صفة رسمية لهم” تارة أخرى، ما أدى إلى “سوء الفهم الكبير” الذي لا زالت المنطقة تعيشه.
صراع الأمن، مثلا، مع سكان بني مكادة، كلهم أو جلهم، دائما ينطلق من محاولة استقواء مستندة على سوء تقدير لخطورة ردة الفعل من جهة، واعتقاد راسخ بأن جل أهالي بني مكادة صداميون فوضويون من جهة أخرى، وهو ما حدث مثلا في قضية “شهيد أرض الدولة”، التي حاولت فيها قوى الأمن إبراز عضلاتها على أسرة فقيرة، بمنطق “اضرب المربوط باش يخاف السايب”، فكان أن تصادمت مع “المربوط” و”السايب” وأعادت للواجهة صراعا اعتقد الكثيرون أنه خمد منذ التسعينات.
إن تطبيق رسالة الملك، له منطلق واحد، وهو فهم السكان والتقرب إليهم، لا التعامل مع المنطقة على أنها حقل ألغام، تملؤه قنابل تجار المخدرات والسلفيين والباعة المتجولين وعتاة المجرمين، فكل هؤلاء يشكلون أعراضا لمرض خطير، اسمه غياب الثقة بين الدولة، ممثلة في الأمن والإدارات العمومية، وبين أهالي المنطقة.. وعودة هذه الثقة، كفيلة بحل تلك المعضلات شيئا فشيئا، لتصير بني مكادة فعلا كغيرها من مناطق طنجة.