طنجة أنتر:

فرح الناس كثيرا بتخفيف إجراءات الحجر الصحي، ليس لأن فيروس “كورونا” رحل، وهو الذي صار يرقص أمام عيوننا ونتفادى رؤيته، ولكن لأن الناس استعادوا حريتهم في الحركة واللقاء، وأكثر من كل هذا فإنهم استعادوا عشقهم المفقود.. المقهى.

في وجوه الناس هذه الأيام سعادة طفولية وهم يجلسون على أرصفة المقاهي ويحتسون مشروبهم أو يدخنون سيجارة طال غيابها أو يمسكون بعمود “السبسي” بفخر واعتزاز، كأنهم يمسكون بصاروخ أرض جو..

لقد كانت المقهى ولا تزال ركنا أساسيا من حياة الناس، والرجال على الخصوص. إنها ملاذهم الذي يصعب فراقه ليوم واحد، فكيف وقد كان الفراق أكثر من مائة يوم.. يا له من فراق صعب..!

لم يحدث في تاريخ البشرية الحديث أن انقطعت الصلة بين الناس والمقهى كل هذا الوقت، فحتى في أيام الحروب الشرسة، بما فيها الحربين العالميتين الأولى والثانية، لم تنقطع صلة الناس بمقاهيهم، فتصير هذه المقاهي في أيام الشدة بمثابة السلوى لما يجتازه الناس من نكبات، لكن ما حدث في الفترة الأخيرة كان يحمل الكثير من المفارقات، لقد فقد الناس المكان الأثير الذي يمكن أن يبثوا فيه لواعجهم وأحاسيسهم بفعل تفشي الفيروس. لقد كانت الضربة مزدوجة  حين حضر الفيروس وغابت المقهى.

في كل العالم تأخذ المقاهي مكانها الأثير في قلوب الناس، سواء كانت مقهى عادية أو حانة، إنها بمثابة الصدر الحنون التي تلعب دور المعوّض عن أشياء كثيرة، إنها بمثابة الأسرة والإدارة والحزب والدولة، وفيها يقال ما لا يمكن أن يقال في أي مكان آخر، لذلك يتناقل الناس قصص المخبرين في المقاهي والحانات أكثر مما يتداولون حكاياتهم في أي مكان آخر.

لقد كان الحجر الصحي مفيدا أكثر مما يجب، ليس على المستوى الصحي فقط، بل أيضا على المستوى الاجتماعي والنفسي. لقد أدرك الناس أن الكثير من الأشياء التي تبدو لهم عادية جدا وفي المتناول في كل الأوقات هي في الحقيقة ليست كذلك. ففي أية لحظة يمكن للناس أن يفقدوا ما كانوا يعتبرونه ملكية أزلية، وسيزداد هذا الشعور في المستقبل، عندما ستطور الفيروسات نفسها وسترهب الناس أكثر، وهذا ما سيجعل الناس يحبون الحياة ويتذوقون معناها أكثر.. وأكثر ما يتذوق الناس معناه هو المقهى.. الحب الأول والأخير..

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version