طنجة أنتر:
ما طرح مؤخرا بمناسبة عطلة العيد عن مشكل الاكتظاظ التي تشهده صيدليات المداومة بطنجة، وكذلك الأخطار المترتبة عن ذلك بسبب احتمال انتقال العدوى، إضافة إلى معاناة المواطنين الذين يجدون صعوبة في التعاطي مع هذا الوضع السيئ بسبب وجود اختيارات تغلب مصلحة القطاع على حساب مصلحة عموم المرتفقين، ما هو إلا جزء من جوهر المشكل الذي ينسحب على كل الإدارات والمرافق العمومية التي لا تعير أية أهمية لسلامة المواطنين وراحتهم في مثل هذه الظروف الاستثنائية المشوبة بالخطر ..
هذا الأمر نبهت إليه الرابطة منذ انطلاق مرحلة حالة الطوارئ الصحية، ولكن كل الجهات ظلت تلتزم الصمت أمام هذه المعضلة التي لا تكاد تخلو منها أية مصلحة عمومية أو خصوصية بالمدينة، مما يعرض المرتفقين لخطر التعرض للإصابة بالمرض ولشتى أنواع الإهانة والتعذيب المستمر وسط الزحام.
ورغم الحل الجزئي الذي تم التوصل إليه بتوافق بين نقابة الصيادلة وولاية طنجة، والذي يقضي بزيادة عدد الصيدليات المخصصة للمداومة أيام العطل الأسبوعية وفي الأعياد والمناسبات، فإن المشكل سيظل قائما كما أن الحل سيكون جزئيا، لأن الأمر لا يتعلق فقط بظاهرة الاكتظاظ الذي يعرض صحة المرتفقين لخطر الإصابة بانتقال العدوى في ظل جائحة كورونا، ولكن المشكل له علاقة بأبعاد أخرى تؤثر على حياة الساكنة وتقض مضجعها حينما تفكر في ارتياد الصيدلية خلال فترة المداومة، حيث يعترضها عدد من الصعوبات التي لا يمكن حصرها :
قلة الصيدليات المخصصة لهذا الجانب، وصعوبة الوصول إلىيها بسبب تواجد بعضها في الهوامش البعيدة عن المركز وفي مواقع لا يمكن التعرف عليها حتى بواسطة تطبيق “جبئيس”..مما يكبد المرتفقين مشقة كبيرة ويعرضهم لخسائر بسبب التكلفة المرتفعة وصعوبة التنقل نظرا لقلة وسائل النقل العمومي وعدم انتظامها، حيث يمتنع سائقو سيارات الأجرة أحيانا عن نقل الزبون إلى بعض الأحياء التي تشكوا من غياب الأمن .. كما تطرح صعوبة العودة نتيجة تعذر الحصول على وسيلة للنقل مرة أخرى بعد طول الانتظار وسط الصفوف جراء الازدحام الذي تعاني منه تلك الصيدليات. وهو ما يطرح مشكلا آخر يرتبط بانعدام الأمن، مما يجعل كثيرا من الأشخاص يذهبون ضحية للاعتداءات التي يتعرضون لها أثناء ارتيادهم لتلك الأوساط.
أما المشكل الآخر فيتعلق بالاكتظاظ كما هو مسجل حاليا، وهو ما لم يلتفت إليه من قبل لأنه كان أمرا عاديا ملازما لتجربة هذه المرافق .. هذا إضافة إلى صعوبة العثور على بعض الأدوية، مما يفرض على المرتفق التنقل بين الصيدليات الموجودة كمن يسافر بين المدن بسب بعد المسافة، هذا إن توفرت لديه وسيلة التنقل. أما إن كان أعزلا، فقد يستغني عن الدواء ويعود أدراجه إلى بيته، علما أن أغلب مرتادي الصيدليات يكونون من المرضى الذين تتفاوت درجة حالتهم الصحية، مما يعرضهم للأخطار المتعددة بسبب تلك الصعوبات ..
إن هذا المشكل العويص يتطلب وقفة شجاعة من طرف كل المتدخلين، إذ يجب على السلطات الإدارية التخلي عن سلبيتها تجاه هذا القطاع الذي يشتغل على هواه، وبالكيفية التي تخدم مصالح المهنيين بالدرجة الأولى، ولا يهمه ما يلحق المرتفقين من أضرار لأنه يستقوي بالقانون التنظيمي المؤطر لهياكله، والذي يحدد التوزيع الزمني المخصص لفترت الفتح والإغلاق، وكذلك أوقات المداومة التي يسعى الكل للاستفادة منها لكونها تحقق أرباحا مهمة للصيدلي في وقت وجيز ..
وعليه نلتمس من الجهات المسؤولة، وفي المقدمة نقابة الصيادلة بطنجة التي يجب أن تكون لها المبادرة في البحث عن الصيغة المناسبة لتجاوز هذا المشكل المزمن الذي تعاني منه ساكنة طنجة وكل المرتفقين سواء في هذه الفترة الاستثنائية أو في الفترات العادية ..
ونقترح من جانبنا مضاعفة عدد الصيدليات المخصصة للمداومة في كل الأوقات ( سواء بالليل أو النهار، وكذلك في مناسبات الأعياد) أكثر مما تم الاتفاق عليه مع الولاية، كما هو عليه الأمر في باقي المدن المغربية، وخصوصا الكبيرة منها ..
العمل مستقبلا على إعادة إحياء تجربة نموذج الصيدلية الليلية التي كان مقرها الدائم بشارع فاس، وهو المشروع الذي أجهض بسبب سوء التدبير .. وذلك بأن تسعى النقابة إلى سن قانون داخلي يلزم عددا محدودا من الصيادلة مكونا من ( 5 أو10) صيادلة بالاتفاق على إحداث صيدلية واحدة قارة للمداومة في مكان مناسب داخل منطقة تواجدها، وذلك داخل أجل محدد لا يتعدى سنة، مع الحرص على أن يكون الفضاء ملائما لتقديم الخدمات في ظروف لائقة من حيث المساحة وكذلك بنيات الاستقبال..
وإذا تعذر العمل بهذه الصيغة التوافقية، فما على النقابة المسؤولة عن تأطير القطاع إلا تحرير المهنيين من سلطة قانونها الصارم ومنحهم الحق في اختيار الوقت الذي يناسبهم على غرار باقي المهن الحرة، وذلك بالشكل الذي يسمح لهم بحرية اتخاذ القرار من أجل الاجتهاد والقيام بالتطوع في خدمة المرتفقين بعيدا عن قيود التوزيع الزمني الخاص بالفتح والإغلاق .. وهذا لا يعني أن تتنازل المؤسسة عن المبادئ والقيم الكفيلة بالدفاع عن حقوق المهنيين والحفاظ على شرف مهنة الصيدلة.
إن هذه مجرد آراء ومقترحات للنقاش بقلب مفتوح مع المسؤولين عن هذا القطاع الحيوي الذي يجب أن يرتبط مع المواطنين بعلاقة حميمية يطبعها القرب والود والاحترام، وهو الشيء الذي لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال استحضار البعد الإنساني لهذا القطاع المتميز..
عن “المكتب المركزي لرابطة الدفاع عن حقوق المستهلكين”