طنجة أنتر:
عندما أسدل الستار على فعاليات مهرجان “صيف طنجة الدولي”، في دورته الأولى لسنة 2022، فإن ذلك كان أيضا إيذانا بميلاد ظاهرة ثقافية جديدة في المدينة، وهي تكريس “الثقافة الشعبية” القريبة جدا من الناس، والتي تخرج من الصالونات وفضاءات الفنادق الفخمة إلى المدينة العتيقة والشوارع لكي تصبح جزءا رئيسيا من حياة الناس اليومية.
كما أن نهاية فعاليات صيف طنجة كانت أيضا مرحلة لبداية أخرى، وهي الأنشطة الثقافية والاجتماعية والرياضية المتواصلة طوال العام في مختلف أرجاء المدينة، والتي ستبدأ بداية الخريف المقبل، عبر أنشطة متميزة ستربط الوصال مرة أخرى مع أنشطة الصيف، تتلوها أنشطة الربيع.
رفع سقف العمل الثقافي
ويبدو أن نجاح فعاليات الدورة الأولى لهذا المهرجان، الذي تنظمه مؤسسية طنجة الكبرى للعمل التربوي والاجتماعي والرياضي، قد دفع الكثير من الفاعلين في هذا المجال، من أجل رفع سقف العمل الثقافي الحقيقي، في مدينة تكبر بشكل مدهش، لكن من دون توازن بين أجنحة التنمية، حيث ظلت الثقافة المغبون الأكبر في طنجة الكبرى.
فعاليات الدورة الأولى من “مهرجان صيف طنجة الكبرى” ظهر تفوقها أيضا من خلال الحفل الختامي من خلال الأمسية الفنية الباذخة، فنيا وثقافيا وشعبيا، حين تحولت ساحة “باب المرصى” بمدخل المدينة العتيقة إلى مسرح كبير في الهواء الطلق، بآلاف المتتبعين من المغاربة والأجانب، في أمسية خاصة بالطرب المغربي الأصيل، لجوق محمد العربي المرابط، برئاسة الفنان محمد العروسي، الذي أبدع خلال هذا الحفل وقدم أغاني ووصلات موسيقية على قدر كبير من التميز، كما شهد، إلى جانب حفله الطربي الباذخ، تكريم العديد من الشخصيات، حيث تحولت ساحة “باب المرصى” إلي مسرح مفتوح على الكثير من المتابعين، بينهم الكثير من زوار طنجة من مختلف المدن المغربية، والكثير من السياح من مختلف القارات، والذين ابتهجوا بهذه الليلة المتوهجة.
وبدا لافتا أن إقامة الحفل الختامي في مسرح بالهواء الطلق في الشريان الرباط بين المدينة العتيقة والكورنيش الجديد، كان وفاء لفلسفة هذا المهرجان، الذي يربط ما بين شرايين المدينة، حيث أقيمت أغلب الأنشطة الثقافية بالمدينة العتيقة، وبين الفضاءات الحديثة لطنجة، التي احتضنت أيضا أنشطة مختلفة طوال أسابيع من الصيف.
وجوه بارزة في المهرجان
“مهرجان طنجة الكبرى”، الذي تنظمة مؤسسة طنجة الكبرى للعمل التربوي والاجتماعي والرياضي”، برئاسة عبد الواحد بولعيش، انطلق في شهر يوليوز الماضي وعرف تنظيم العديد من الأنشطة الثقافية والرياضية والاجتماعية، في سابقة من نوعها، حيث لم تشهد مدينة طنجة مثل هذا الزخم منذ عقود في مهرجان واحد، وهو ما فتح باب الأمل واسعا من حيث استعادة طنجة للكثير من ألقها الثقافي في مختلف المجالات خلال السنوات المقبلة.
ومنذ بداية الصيف، استضاف المهرجان وجوها ثقافية وأكاديمية وفنية على قدر كبير من التميز، من بينها الأكاديمي المغربي الأمريكي، أنور مجيد، والفنان التشكيلي مراد بنكيران، وتمت إقامة ندوات ثقافية وسينمائية وفنية في أماكن تعتبر بمثابة رموز تاريخية لطنجة، مثل سينما “ألكاثار” التاريخية، والتي أقيمت بها ندوة حول “صورة طنجة في السينما الدولية”، والتي تعتبر بمثابة تمهيد لمناظرة وطنية دولية ستقام في طنجة حول السينما المغربية.
وشارك في تنشيط برنامج مهرجان طنجة الكبرى شخصيات وطنية ومحلية بارزة بصمت حضورها في الساحة العالمية في مجالات السينما والفكر والأدب، وتتطلع إلى إبراز الدور التاريخي الدولي لمدينة البوغاز وربط الماضي بالحاضر، والمساهمة في الرقي بها إلى مصاف المدن العالمية الرائدة، خاصة وأن موقعها الجغرافي وقربها من أوروبا يؤهلها للاطلاع بدور بوابة إفريقيا نحو العالم.
الدبلوماسية الموازية
كما يسعى المهرجان إلى التعريف أكثر بمآثر طنجة التاريخية ومناظرها الخلابة وطابعها الاقتصادي بتوفرها على ميناء طنجة المتوسط ومناطق صناعية كبرى، وغيرها من الفضاءات الصناعية العملاقة في قطاعي النسيج و صناعة السيارات .
ولم تطن الطفولة المغربية غائبة عن فعاليات المهرجان، سواء عبر “كرمس” ترفيهي خاص بالأطفال، والذي جاب المناطق التاريخية للمدينة العتيقة لطنجة، أو عبر سهرة المواهب في ساحة الأمم، وهي السهرة التي شارك فيها عدد مهم من الشباب الموهوبين في مجال الغناء والطرب.
وفي دورته الأولى، حقق مهرجان صيف طنجة الكبرى “ضربة معلم” عبر استضافة فريق طلابي لكرة السلة من واحدة من أعرق وأكبر الجامعات الأمريكية، وهي جامعة “كولومبيا بنيويورك، التي تخرّج منها رؤساء أمريكيون وشخصيات عالمية من أمريكا وخارجه، بمن فيهم الكثير من رؤساء الدول.
الفريق الأمريكي، الذي كان يضم أزيد من ثلاثين عضوا، بين أطر ورياضيات ورياضيين، استضيف في المهرجان بكثير من الحفاوة، وعاش أجواء تقاليد مغربية راسخة من خلال حفلات وملابس تقليدية ومباريات ودية وزيارات مآثر تاريخية ومعالم ثقافية، وعاد أفراده إلى الولايات المتحدة بصورة أكثر من رائعة عن المغرب، وهو ما جعل المتتبعين يصنفون مهرجان “صيف طنجة” كونه رائد في مجال الدبلوماسية الموازية، وهي صفة تضاف له على أنه المهرجان الأول في طنجة والجهة عموما، الذي جعل من الثقافة قضية شعبية بامتياز.