طنجة أنتر:
سقطت غرناطة، آخر معاقل الوجود الإسلامي في الأندلس في يناير من عام 1492م، بتوقيع اتفاقية استسلامٍ تعهَّدت من خلالها المملكة الإسبانية الموحّدة، باحترام عقائد مَن بقي من المسلمين الأندلسيين في ديارهم. لكنها سرعان ما نقضتها، فكان على المسلمين مواجهة إجراءات وقوانين استهدفت إدماجهم قسرياً في النسيج الإسباني المسيحي بمحاربة كل مظاهر تميُّزهم الديني والثقافي، وحرمانهم من مصادر قُوَّتهم الاقتصادية والاجتماعية.
هكذا اضطرت أعداد كبيرة منهم للهجرة نحو البلاد الإسلامية خصوصاً إلى المغرب الكبير الأقرب إليهم جغرافياً وحضارياً، فيما قاوم بعض من بقي منهم وحمل السلاح في ثورات عديدة كانت أهمّها ما تُعرف بثورة البشارات في سنوات 1568-1571م. فما هو السياق المحلي والخارجي لهذه الثورة؟ وما كانت نتائجها؟ وما الدور الذي لعبته الجزائر في دعمها؟
“حروب الاسترداد”…من سقوط طلطيلة إلى سقوط غرناطة
وصل المسلمون بقيادة طارق بن زياد إلى شبه الجزيرة الإيبيرية عام 711م وسيطروا على أغلب جهاتها التي وحَّدوها في كيانٍ عُرف تاريخياً بالأندلس، إلا أن المناطق الجبلية الوعرة في غاليسيا (جليقية) وليون وأشتورية ظلَّت مجالات مسيحية، سرعان ما شكَّلت مملكة ليون، وهي النواة المسيحية التي اعتبرت نفسها امتداداً للتراث القوطي الغربي السابق للغزو الإسلامي، ثم زاد توسُّعها إلى أن توحَّدت في القرن 13م مع فرناندو الثالث ملك قشتالة في إطار مملكة قشتالة وليون. ثم في فترات مختلفة تشكَّلت 3 ممالك أخرى هي نافارا وأرغون و”كونتية برشلونة” التي انصهرت كلها لاحقاً ضمن مملكة موحّدة عُرفت بـــ “تاج أرغون”.
مرَّت الأندلس الأمويّة بفترات ازدهارٍ ثقافيٍ وحضاري وبصعودٍ عسكري، تلتها مراحل ضعف وتراجع. في القرن 10م اندمجت المُكوِّنات الأندلسية المختلفة بكثافة في النسيج الإسلامي، فهيمنت الثقافة العربية والدين الإسلامي على غالبيّة الأندلسيين بمختلف إثنياتهم، والراجح أن عوامل عديدة ساهمت في مسار الأسلمة. من الطبيعي أن تُشكِّل الثقافة العربية الإسلامية، في أَوْج ازدهار الحضارة الأندلسية، عنصر جذب للنخب المثقّفة لاعتناق الإسلام. لكن الطموح لتحقيق مكاسب اجتماعية تتمثَّل خاصة في الرقي الاجتماعي الذي يمنحه الانتقال من مرتبة الذِّمي إلى المُولَّد، واقتصادية تتجسَّد في التسهيلات في التجارة والتملُّك التي يحوزها المسلمون في المجتمع، هو الذي حفَّز فئات واسعة من المسيحيين على اعتناق دين النخبة الحاكمة.