رمضاننا العزيز،

عدت إلينا مرة أخرى ووجدتنا كما تركتنا رمضان الماضي. لا شيء تغير فينا على الإطلاق، فلا زلنا نحس بالخوف وأنت تقترب منا يوما بيوم وساعة بساعة، ولا زلنا نتحدث عن الجوع والعطش ونرى فيك شبحا مخيفا يداهمنا في عز الصيف، فلا نعرف ما نفعل معك، هل نبتهج بشهر موفور الأجر والثواب، أو ننقبض لأنك تأتي مسرعا أكثر مما نتوقع.

 سيدي رمضان،

لا نعتقد أن تصرفاتنا صارت تفاجئك. فأنت كلما عدت إلينا تجدنا جوعى أكثر من اللازم، وعوض أن نفرح بك ونطلق الزغاريد ودقات الدفوف، كما كان يفعل أجدادنا وجداتنا، فإنك تجدنا دائما متراصين في طوابير طويلة أمام المخابز والمجازر وأسواق السمك، وكأننا لم نذق النعمة منذ دهر.

تعود إلينا يا رمضان وفي جعبتك عروض سخية في الأجر والثواب. تقدم لنا عروضا مثيرة في محو السيئات، وتعطينا عقود امتياز لكي نصبح مختلفين تماما عما كناه، وتمنحنا كل الصلاحيات لكي نجدد حياتنا، لكننا ندير ظهورنا لكل ذلك ونفضل الاصطفاف أمام المخابز، وعوض أن نهتم بعروض “الحسنة بعشر أمثالها”، فإننا نطبق فقط نظرية “الكوميرة بعشر أمثالها”.

عزيزنا رمضان،

 نحن شعب بكّاءٌ شكّاءٌ نمّامٌ شتّامٌ طوال العام، لكننا ننتظرك على أحر من الجمر حتى يصبح قاموس شتائمنا أكثر ازدهارا وإبداعا. أنظر إلينا خلال أيام الصوم وسترى كيف يصبح الواحد منا مبدعا حقيقيا في استعمال أرقى أنواع الشتائم والكلمات النابية، وتأمل في سلوكاتنا الرمضانية لكي تجد أننا نفرغ كل مكبوتاتنا فيك وكأنك الصندوق الأسود الذي يسجل تفاصيل انحطاطنا المعنوي والأخلاقي والتربوي.

رمضاننا الأعز،

طوال العام يسرقنا السياسيون ويضحك علينا المنتخبون وينهبنا المسؤولون كما لو أنهم عصابة مافيوزية متكاملة الأوصاف، لكننا لا نرفع أصبعا واحدا للاحتجاج عليهم، بل نقدرهم ونبجلهم ونصفهم بالكثير من عبارات التقدير والاحترام، لكننا لا نتورع للحظة واحدة في أن ننسب إليك كل الموبقات والمصائب، وكل واحد منا يضع على كاهلك كل عيوبه ومثالبه. فالموظف النائم في المكتب يقول إن السبب هو أنت، والسائق الأرعن يحملك مسؤولية حادثة السير التي ارتكبها، والعامل الكسول يصلبك لأنك سبب كسله وارتخائه، والعدواني المريض يعلق على جبهتك كل أسباب عدوانيته ومرضه، وهكذا دواليك إلى ما لا نهاية.

حبيبنا رمضان،

بحكم تجربتك الطويلة معنا، لا شك أنك لاحظت كيف تمتلئ مساجدنا بشكل غريب منذ اليوم الأول لرمضان. غريب حقا أننا نتحول من شعب “ضارْباه تالافا” طوال العام إلى شعب متدين ومرتاد للمساجد. لكنك تعرف أيضا أن الكثير ممن يمضون هذا الشهر في السجود والركوع ينسون تماما وجهة المساجد مباشرة في اليوم التالي لرمضان، فتصبح العطلة طويلة جدا بين الصلاة والصلاة إلى درجة أن جلاليب كثيرة يصيبها الصدأ لأنها تبقى سجينة لأحد عشر شهرا كاملة في خزانة الملابس.

 تعرف أيضا، يا رمضان، أن نفاقنا شيء فريد ومتفرد، فالمصلي الوقور الذي يقضي الساعات في صلاة التراويح، يخرج من المسجد كما لو كان أسدا أسيرا، ثم ينطلق بسيارته مباشرة نحو شوارع المتعة، وربما لاحظت أن الكثير من المومسات يشتغلن خلال رمضان في الشوارع المحيطة بالمساجد لتقصير المسافة بينهن وبين زبنائهن.

هناك آخرون يتوجهون مباشرة من صلاة التراويح إلى البارات التي تختص في تقديم عروض الرقص الرمضاني ومباهج “الشّيخات” الورعات، فيدخلون الحانات الحلال بنفس جلباب صلاة التراويح، فتختلط الأغاني الشعبية الماجنة بهتافات “الصلاة على النبي” وإيقاعات هز الأرداف وتمايل الصدور.. ويستمر الحال كذلك إلى أن يتبين الخيط من الخيط..

رمضاننا الهمام،

لقد عمرت بيننا طويلا، ورأيت كيف أننا نستغلك أسوأ استغلال ونجعل منك شهر النفاق والغش بامتياز. ففيك تفضل القرويات مزج الماء باللبن والحليب، وفيك يفضل القروي الغشاش وضع البيض العادي في “جافيل” لكي يتحول إلى “بيض “بلدي” يباع بضعف الثمن، وفيك تمتلئ الأسواق بلحوم البغال والحمير وما بينهما، وفيك تمتلئ الأسواق بلحوم الدجاج النافق والأسماك العفنة، وفيك تمدنا سبتة ومليلية بآلاف الأطنان من السلع الفاسدة والمسرطنة والعصير المخلوط بزيت “الحلّوف” والحلويات الممزوجة بالنبيذ، وفيك يرفع كل واحد منا شعار “أنا ومن بعدي الطوفان”.

اعذرنا يا رمضان.. وعُد إلينا بعد قرن أو قرنين.. فربما تجدنا قد تغيرنا قليلا.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version