لا أحد في المغرب أو العالم الإسلامي فعل ما فعله هذا الرحالة الطنجاوي الذي قرر أن يتوقف عن الاستماع لأخبار الرحالة والرحالات، وأراد أن يجرب ذلك بنفسه، لأن من يرى ليس كمن يسمع.
ابن بطوطة يعكس بشكل عام مزاج وطباع أهل طنجة منذ الأزل، فهم، بحكم موقع مدينتهم المفتوح على العالم، شغوفون بالاستماع إلى حكايات الأسفار والرحلات، وهو ما يدفعهم بالتأكيد إلى خوض لجة المغامرة وتجربة حظهم في هذا العالم، وهذا ما حدث بالضبط للشاب ابن بطوطة، الذي قرر، وهو في الحادية والعشرين من عمره، أن يتوقف عن الاستماع لحكايات وغرائب الرحلات والأسفار، وعزم بدوره على ركوب ظهر المغامرة، فكان ما كان، وصار هذا الشاب أشهر من نار على علم، وحظي عن جدارة بلقب أمير الرحالة في العالم الإسلامي، وصار واحدا من أشهر الرحالة في العالم كله.
ابن بطوطة لا يزال إلى اليوم أعجوبة زمانه في الأسفار، في وقت لم تكن سيارات ولا طائرات ولا قطارات أنفاق، فالرجل قطع في رحلاته ما يقارب المائة والثلاثين ألف كيلومتر، بدأها من داخل المغرب، ثم توجه نحو الشرق في رحلة برية نحو الجزائر، وكان هدفه في البداية أداء مناسك الحج وهو في الحادية والعشرين من عمره، ولا غرو في ذلك لأن هذا الشاب كان وقتها طالبا مجدا في العلوم الشرعية، وكان أداء مناسك الحج في هذه السن شيئا عاديا ما دام أن سن النضج في ذلك الزمان ليس هو اليوم.