هناك حقيقة فاقعة في المغرب لا يكاد ينتبه إليها أحد، رغم خطورتها الشديدة على البلاد، اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا، وهي وصول أشخاص من قاع المجتمع، والذين لم يكونوا يملكون ثمن ركوب حافلة، إلى الدرجات العلا من الغنى الفاحش، وصاروا يلعبون الملايير.
هؤلاء الأشخاص لا يمثلون نموذجا للمجتمع لأنهم لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه بالكد والاجتهاد، ولا بالدراسة وسهر الليالي، ولا بمواهب خارقة حباهم بها الله دون غيرهم، بل وصلوا لأنهم ركبوا موجة الحشيش وتاجروا فيه وفهموا لعبته وكواليسه فتحولوا إلى أشخاص فاحشي الثراء، وشيئا فشيئا صاروا أعيانا “محترمين”، وتحولت حقارتهم الطبقية إلى مجد اجتماعي، وهكذا أصبحوا نماذج يقتدى بها بالنسبة للأجيال الصاعدة التي ترى أن الطريق السوي لا يوصل أبدا إلى الغنى، وأن الدراسة والكد والجهد مجرد خرافة.
هؤلاء “الحرافيش” لم تتوقف مسيرتهم عند الرقي المادي والاقتصادي والاجتماعي، بل قرروا أن يدخلوا السياسة، ليس من أجل خدمة الوطن والمواطنين، بل من أجل خدمة مصالحهم وحماية ثرواتهم من يوم “الحساب والعقاب”، فكان الباب الكبير الذي دخلوا منه هو الانتخابات، وهي انتخابات يعرف جميع المغاربة مبناها ومعناها، لأنها لم تفعل، مذ كانت، سوى إيصال الناهبين واللصوص والمنافقين وتجار المخدارت وناهبي الأراضي إلى البرلمان والمجلس المنتخبة، وهكذا عوض أن تكون الديمقراطية نعمة على المغاربة، فإنها صارت نكبة حقيقية لأنها لم تكن سوى وسيلة لخدمة لوبيات الحشيش والفساد.
ماذا عسانا نقول إذن لمواطنين يرون تجار حشيش ومبيضي أموال وهم متكئين على أرائك البرلمان ويدافعون عن مصالح الأمة؟ إنها الغمة.. غمة ديمقراطية الحشيش.
وماذا عسانا نقول للناس عندما يرون عائلات بأكملها تتاجر في الحشيش وتبيض الأموال وقد صارت تتوارث مقاعد البرلمان والمناصب الوزارية والقيادات الحزبية؟
وماذا بوسعنا أن نفعل أمام تلميذ يمر يوميا أمام مقهى يملكها المهرب فلان، وعمارة يملكها تاجر مخدرات آخر، ومطعم فاخر يملكه مسؤول فاسد مرتبط بالمخدرات؟ هل سنقول له إن الدراسة تقود إلى ما هو أفضل من كل هذا؟
الحشيش لم يقد فقط إلى صنع أعيان ومسؤولين ومنتخبين، بل خلق أيضا جيشا من المومسات، فتيات في عمر الزهور لفظن الدراسة، أو لفظتهن، وخرجن يبحث في المواخير والنوادي الليلية عن زبائن يدفعون بلا حساب، زبائن يحصلون على الملايير في العملية الواحدة والليلة الواحدة، وليست لديهم أية مشكلة في دفع كل ما تطلبه فتيات مورقات. وفي كثير من الأحيان، وفي نواد ليلية شهيرة، يتنافس بائعو المخدرات مع بائعي البخور القادمين من بلدان الخليج، وتنافسهم يشبه تناس فيلة، حيث يكون العشب هو الضحية، وحين تتنافس الذئاب على لحوم طرية، فالنتيجة يعرفها الجميع.
الفساد المتعلق بمجال الحشيش خلق نكبة حقيقية في أوساط قطاعات عريضة أخرى، مثل قطاع الأمن والدرك والجمارك، وصار البعض يحصلون على شقة وسيارة وأرصدة ضخمة في بضعة أيام، وهناك مسؤولون صاروا أكثر غنى من تجار الحشيش.
“الإنجاز” الآخر للحشيش هو أن المغرب تحول إلى طريق رئيسي لمخدر الكوكايين القادم من أمريكا اللاتينية. فقد اختارت شبكات الكوكايين طريق المغرب لأن فيه توجد طريق قوية وفعالة يعبر منها الحشيش، والطريق الذي تعبره منتجات حقول كتامة هو نفسه الذي صارت تعبره منتجات حقول أمريكا الجنوبية. واليوم، صارت شحنات الحشيش التي تغادر المغرب تختلط بكثير من شحنات الكوكايين، وهناك حكمة شائعة في مجال التهريب تقول إن المكان الذي تعبر منه إبره بطريقة غير شرعية يمكن أن يعبره جمل… والمعنى واضح جدا.
الذين كانوا يقولون إن الحشيش المغربي عادي وطبيعي وليس مدمرا مثل باقي المخدرات، أبانوا أنهم جهلة وأغبياء حقيقيين، لأن الحشيش هو الذي فتح الباب على مصراعيه لكي يتحول الكوكايين إلى “مخدر وطني”، لأن جزءا مهما من الكوكايين العابر يبقى في المغرب ويتم ترويجه في الأسواق المحلية، والنتيجة اليوم ظاهرة في كل مكان، في هذا الجيش العرمرم من المدمنين، بحيث أن ظاهرة الإدمان لم تعد اليوم معزولة في المجتمع، وفي كل بيت مغربي، تقريبا، مدمن مخدرات، فإن لم يكن بالحشيش فبالأقراص المهلوسة، وإن لم يكن بالكوكايين فبالهيروين. إنها كارثة حقيقية.
الحشيش، بملاييره و”فتوحاته” في كل المجالات، نكبة… نكبة بكل المقاييس.