بعض الإخوة العرب يعتقدون أن المغاربة يؤدون العمرة والحج بالفرنساوي، وهم لا يخفون هذا الاعتقاد. وفي مطار محمد الخامس كان شاب مغربي يصعد الطائرة وهو يرتدي البياض فاستقبله ربان الطائرة المصرية ونظر إلى جلبابه الأبيض قائلا” على فين إن شاء الله؟ فأجابه المغربي: العمرة إن شاء الله، فأجابه الربان المصري: وانت حتأدي العمرة بالفرنساوي؟.. لم يجبه الشاب المغربي لأنه يعرف أن الذهاب إلى بيت الله الحرام يتطلب الترفع عن الكلام الرديء.
في المغرب توجد طبقة فرنكفونية غبية وحمقاء هي التي جعلت الآخرين يعتقدون أننا نؤدي مناسك الحج والعمرة بالفرنسية، وربما نصلي بالفاتحة مترجمة إلى لغة موليير وشيراك. لكن المشكلة أن استعمال الفرنسية لم تعد مقتصرة على تلك الطبقة الغنية والمتحذلقة مثل فرنسيي القرون الوسطى، بل أيضا هناك رعاع من المغاربة يفضلون استعمال الفرنسية فيما بينهم أو بينهم وبين أبنائهم.
المسألة إذن مجرد عقدة نفسية تتطلب علاجا عصبيا وعقليا، لكن المشكلة أن المغرب لا يتوفر على عدد مهم من الأطباء النفسانيين حتى يعالجوا هذا الجيش العرمرم من مرضى الفرنكفونية.
في المشرق، يقولون دائما إننا نتحدث الفرنسية، وعندما يجدوننا نتكلم العربية فإنهم يقولون إن لهجتنا صعبة. لكن ما الذي يجعل المغاربة يفهمون الصعايدة المصريين، والنوبة السودانيين، والسوريين الحلبيين والدمشقيين، واللبنانيين الشيعة والموارنة، والعراقيين الفلوجيين والبصريين، واليمنيين من صنعاء وحضرموت، بينما هؤلاء لا يفهمون مما نقول فتيلا؟
القضية في البداية والنهاية قضية تلفزيون. لقد استضاف المغاربة هؤلاء الإخْ- وة.. العرب في تلفزيونهم وفهموهم تماما، بينما يرفض العرب استقبال المغاربة حتى لا يفهموهم وحتى يستمروا في نعت لهجتهم بأنها صعبة. هل كلمة “الطّارابيزا” المصرية سهلة؟ هل كلمة “خشّ” سهلة؟ إنها مثل مئات الكلمات الغريبة التي فهمها المغاربة كما فهم جمهور السينما الهندية الكثير من مفرداتها لأنهم يواظبون على مشاهدة الأفلام الهندية. لنسأل مغربيا في بادية بعيدة لا يشاهد التلفزيون هل يفهم المصرية “السهلة”، أكيد أنها ستبدو لها مثل الصينية تماما.
لقد ساهم التلفزيون المغربي في حل إشكالية السكن في مصر عندما أسكن داخله مئات أو آلاف الممثلين المصريين، لكن التلفزيون المصري لم يدرج طوال تاريخه أي عمل درامي أو برنامج تلفزيوني مغربي. الأمر هنا يتعلق ب”الشقيقة” مصر، وليس بجزر فيجي.
المغاربة هم اليوم من بين القلائل في العالم العربي الذين يحتاجون إلى مترجم حين يتحدثون لهجتهم. وحين كان المحجوبي أحرضان يتحدث يوما إلى فضائية عربية فإنه قال عبارة “وايْلي حتى انت..”، وفي أسفل الشاشة جاءت العبارة مترجمة إلى العربية على الشكل التالي “ياه.. يا رجل”. إنها ترجمة طريفة، لكنها تدل على الأقل أن العرب يمكن إن يفهمونا حتى لو قلنا لهم “سيرْ تنبّك”.
لقد استورد المغاربة كل أشكال الأعمال التلفزيونية والسينمائية بما فيها التي تسبب عسرا هائلا في الهضم وآلاما مبرحة في المعدة، هناك مسلسلات مصرية وأردنية وسورية ولبنانية وغيرها تزدحم على شاشة التلفزيون المغربي، وحين يحاول المغارب تصدير عمل واحد إلى بلد عربي فإن الفيتو يرتفع في وجهه قائلا: لهجتكم صعبة يا إخوان…
حسنا. إذا كانت لهجة المغاربة صعبة ولا تفهمونها فلماذا تسمونهم إخوانكم.. فلا يمكن للأخ ألا يفهم أخاه.