مشاهد قبل 15 سنة
في ساحة الكويت قرب مسجد محمد الخامس بطنجة، شرطيان يقفان بثبات ثم يؤديان تحية صارمة لسيارة رمادية “كات كات”. السيارة تسوقها الأميرة للّا سلمى وقربها في المقعد الأمامي ولي العهد الأمير مولاي الحسن، وفتاة شقراء في حوالي العاشرة في المقعد الخلفي.
وفي الجبل الكبير يوقف شرطي سيارات كانت تمر بمحاذاة القصر الملكي وبعد ثوان يخرج من باب القصر الملك محمد السادس وهو يسوق سيارة زرقاء مكشوفة مع مرافق له على يمينه، وتتبعه سيارة أخرى زرقاء.
تتوجه سيارة الملك رأسا إلى منطقة “أشقار” حيث يدخل فندق “ميراج” ليخرج منه مباشرة راكبا ظهر الموج على صهوة “الجيت سكي”.
وفي منتصف الليل في البوليبار ينظر أحد العابرين فجأة إلى سيارة تسير على مهل ويهتف “عاش الملك” فيرفع سائقها الملك محمد السادس يده بتحية خفيفة.
وفي منطقة الرميلات يكون عدد من الشباب يمارسون رياضة العدو فيظهر لهم فجأة الملك محمد السادس فيطلبون منه التقاط صورة، فتتحول تلك الصورة إلى حديث المجالس.
هذه المشاهد كانت مألوفة في مدينة كانت معروفة كونها عاصمة “مساخيط الملك” والتي لم يكن يمر منها الراحل الحسن الثاني إلا مسرعا أو من وراء حجاب.
وفي طنجة صار الملك محمد السادس يستقبل ضيوفا من عيار ثقيل، من بينهم مسؤولين إسبان كبار، على رأسهم الملك خوان كارلوس، ورئيس الحكومة، وقتها، خوسي ماريا أثنار.
مساخيط الملك
طنجة كانت لمدة عقود ترمز لما يشبه عاصمة “الساخطين على الملك”، أو بعبارة أصح واحدة من المدن التي سخط عليها الحسن الثاني لأسباب يعرفها هو أكثر مما يعرفها السكان.
وحين جاء محمد السادس إلى طنجة أول مرة بعد وفاة والده تناسلت الحكايات بسرعة عن وجوده في كل مكان. كان بسطاء الناس يروون الحكايات عن رؤيتهم له هنا وهناك، بل وأحيانا في أحياء شعبية معروفة بارتباكها الأمني والاجتماعي. ويقول حارس سيارات في حي “كاسبراطا” إنه رأى الملك فجأة وهو يمر من أمامه على مهل بعد منتصف الليل. حاول الحارس اللحاق بالسيارة بكل ما أوتي من قوة، لكن الملك الذي يسوق على مهل يرفع أحيانا السرعة إلى درجاتها القصوى ويختفي. الحارس اختلط له ما رآه بالحلم وأصبح في اليوم التالي لا يستطيع أن يؤكد إن كان قد رأى الملك فعلا أم ظهر له ذلك في المنام، خصوصا وأن الملك كان في أول زيارة له إلى المدينة، قبل أن يتعود الناس على رؤيته.
الملك وبائعة اللبن
وفي ضواحي مدينة طنجة يقول سكان قرية بنواحي أنجرة إن الملك نزل من سيارته وتوجه نحو امرأة جبلية بأزيائها تبيع اللبن على قارعة الطريق الرابطة بين طنجة والقصر الصغير وسألها عن الثمن. المرأة التي لا تنظر إلى زبنائها عادة أجابت عن سؤال الملك ومدحت بضاعتها ثم رفعت رأسها وحدقت في وجه زبونها المتميز ثم سألته “واش نتينا هو الملك؟
غير أن جولات الملك في المدينة كانت تثير أحيانا فضولا يؤدي إلى ارتباك السائقين. ومرة بدأ الأمن يبحث عن سيارة “غولف” اقترب سائقها من سيارة الملك أكثر مما يجب. ويبدو أن السائق دفعه فضوله فقط لفعل ذلك بعدما التفت فوجد الملك يسوق سيارته إلى جانبه.
وهناك حكايات بالعشرات في مدينة لم تتعود على مشاهد مثل هاته منذ عقود، لكنها تحولت اليوم إلى عاصمة ثانية للبلاد، بعدما كانت رمزا لأشياء كثيرة من التاريخ والحاضر.