على الرغم من أن الجنرال الإسباني الراحل فرانكو ربح الحرب الأهلية الإسبانية قبل عقود انطلاقا من المغرب، وبالضبط من شمال المغرب الذي عاش فيه لسنوات، إلا أن ذكرى رحيله لا تثير في المنطقة أية عواطف، خاصة في وقت ما يزال بعض المغاربة يتذكرون تفاصيل تلك الحرب التي لعبوا فيها دورا حاسما جدا، وكان لهم الدور البارز في انتصار من كانوا يسمون أنفسهم “الوطنيين”، ضد تحالف اليسار الجمهوري بمختلف تشكيلاته.
مقاتلون مغاربة
وفي إسبانيا تمر ذكرى موت الجنرال فرانسيسكو فرانكو، والذي حكم إسبانيا يد من حديد قرابة أربعين عاما، في هدوء في الشارع الإسباني، فيما يقوم الآلاف من أنصاره بزيارة قبره وسط طقوس يمينية خاصة.
وكان فرانكو وصل إلى الحكم سنة 1939 بعد حرب أهلية طاحنة استمرت ثلاث سنوات انطلق فيها من شمال المغرب، الذي كان يخضع للحماية الإسبانية وقتها، وجند في صفوف جيشه الآلاف من المقاتلين المغاربة الذين لعبوا دوار كبيرا في انتصاره وإيصاله إلى مقر الحكومة الإسبانية، حيث يجمع المؤرخون الإسبان على أنه لولا مشاركة الآلاف من المغاربة في تلك الحرب لكان لها مصير آخر.
جدل متواصل
ومازال الجنرال فرانكو يثير في إسبانيا الكثير من الجدل، وهو الجدل الذي يطفو عادة إلى السطح في ذكرى موته، خصوصا فيما يتعلق بالحرب الأهلية التي مزقت البلاد وخلفت آلاف الضحايا وعشرات الآلاف من المنفيين، مازال الكثير منهم إلى اليوم يعيشون في بلدان مختلفة في أوروبا، خصوصا ما كان يعرف بأوروبا الشرقية، أو في بلدان أمريكا اللاتينية من بينها المكسيك وكوبا والأرجنتين.
ورحل الجنرال فرانكو سنة 1975، في عز الأزمة مع جاره المغرب حول الصحراء، حيث تم بعدها تسليم الحكم إلى الملك خوان كارلوس الأول، فيما تم إسناد ملف الصحراء إلى محكمة العدل الدولية بلاهاي.
دكتاتور براغماتي
وعرف حكم فرانكو بطبيعته القريبة من الفاشية، غير أنه كان براغماتيا إلى درجة كبيرة حيث كان مقربا من الزعيم الألماني هتلر والإيطالي موسولويني، غير أنه لم يشارك في الحرب العالمية الثانية، وبعد انتهائها صار أكثر ميلا للولايات المتحدة الأمريكية.
وفي كل ذكرى سنوية لرحيل الجنرال فرانكو، يتجمع الآلاف من أنصاره ومن المخلصين لمبادئه في هضبة “لوس كايدوس” بضواحي العاصمة مدريد، حيث يوجد قبر الجنرال يعلوه صليب عملاق من حجر، حيث يحملون علما إسبانيّا كبيرا، ويرددوا شعارات وهتافات خاصة باليمين المتشدد في إسبانيا.
وعادة ما تتزعم كارمن فرانكو، ابنة الجنرال الراحل ورئيسة جمعية “فرانسيسكو فرانكو”، المسيرة التي تتوجه إلى قبره، كما يشارك في المسيرة سياسيون سابقون معروفون بقربهم من أفكار الجنرال الراحل من بينهم وزير العمل السابق خوسي أولتريرا مولينا، و بلاس بينيار، مؤسس هيئة “القوة الجديدة” المعروفة بتوجهاتها اليمينية المتشددة. غير أن أبرز المشاركين في هذه المسيرات كان هو العقيد السابق في الحرس المدني الإسباني “أنتونيو تيخيرو” الذي قاد في 23 فبراير (شباط) 1981 محاولة انقلابية خطيرة بدأها من داخل البرلمان الإسباني واستمرت لبضعة أيام قبل أن تفشل ويتم القبض على الانقلابيين بينهم جنرالات كبار في الجيش.
أيام يمينية فقط
وتتميز حفلات تخليد موت الجنرال فرانكو بعدة تظاهرات خاصة بين صفوف اليمين الإسباني المتشدد. ففي هضبة “لوس كايدوس” نفسها يخلد الآلاف من أنصار “الجبهة الوطنية”، ذكرى موت مؤسسها خوسي أنتونيو بريمو دي ريفيرا، الذي كان واحدا من أعمدة حكم الجنرال فرانكو وأكثر المقربين منه لسنوات طويلة من حكمه.
وفي “ساحة الشرق” بالعاصمة مدريد يقوم المئات من أنصار اليمين بمظاهرة مخلدة لرحيل الجنرال فرانكو، من بينهم شخصيات سياسية شاركت في حكومات إبان حقبة الحكم الفرانكوي. وعادة ما يدعوالمشاركون في هذه المظاهرة إلى نبذ دعوات الانفصال وأنظمة الحكم الذاتي في البلاد من أجل ما يسمونه “الوحدة الوطنية”.
وتعيش إسبانيا باستمرار جدلا كبيرا بسبب قوانين تعزز إلى حد كبير أوضاع الاستقلال الذاتي لعدد من المناطق الإسبانية وعلى رأسها منطقة كاتالونيا، والتي كانت طوال عقود رمزا للمقاومة ضد نظام الجنرال الراحل فرانكو. كما أن بلاد الباسك، في أقصى شمال البلاد، تعيش وضعا أكثر حدة حيث تطالب منظمة “إيتا” الانفصالية المسلحة بانفصال الإقليم عن الحكومة المركزية وإنشاء دولة الباسك المستقلة.
وعكس مظاهرات العاصمة مدريد لتخليد ذكرى موت فرانكو، فإن مظاهر التعاطف مع مرحلة الجنرال فرانكو تكون أكثر تواضعا في المدن الإسبانية الأخرى.
سقوط الصنم
ومقابل احتفالات المخلصين لفرانكو، فإن الحزب الاشتراكي الإسباني كان قد أمر قبل سنوات بإزالة ما تبقى من تماثيل للجنرال الراحل من شوارع المدن الإسبانية، كونها ترمز إلى ما تبقى من العهد الفرانكاوي. كما أن عددا من المدن الإسبانية تشهد مظاهرات معاكسة تماما، وذلك للتنديد بحقبة حكم الجنرال فرانكو.
وعرفت البرامج الوثائقية حول فرانكو أو الكتب والمذكرات الصادرة حوله طفرة كبيرة في السنوات الأخيرة، حيث صدرت كتب كثيرة لصحافيين أو كتاب إسبان عايشوا حقبة الجنرال فرانكو ومرحلة الانتقال الديمقراطي بعد موته. إضافة إلى مذكرات تنشر لأول مرة، وبرامج وثائقية في مختلف القنوات التلفزيونية الإسبانية.