تعوّد المغاربة على أن ينشغلوا بشيء ما في شهر غشت من كل عام. وهذه عادة قديمة بدأت منذ زمن بعيد واستمرت إلى اليوم، بدءا بمحاكمات شهيرة وانقلابات عسكرية ومرورا بقضية العميد ثابت وما تلاها من أشياء كثيرة أخرى.

عادة يحب الناس التوجه إلى البحر شهر غشت، لكنهم يفضلون البحر والنميمة، وعندما يكون البحر والنميمة مرفوقين ببطيخ حلو كثير الماء فإن الصيف يكون في أبهى حلة.

هذا العام يبدو أن الناس لا يجدون قضية كبيرة يهتمون بها خلال شهر غشت، فحتى المجازر الإسرائيلية في غزة بردت قليلا بعد أن أرْوَت إسرائيل ظمأها إلى الدماء بقتلها ألفي فلسطيني، بينهم 500 طفل.

لكن المغاربة يفضلون أشياء هي خليط ما بين النميمة والسياسة وأحاديث المقاهي خلال هذا الشهر، لذلك كثيرا ما كانوا ينشغلون بقصص مثيرة أيام لم يكن هناك أنترنيت ولا فيسبوك ولا تويتر ولا يوتوب ولا فضائيات؛ أما اليوم، فيبدو أن الناس يجدون فائضا من الحكايات، وعندما لا يجدون شيئا يستحق الانشغال به فإنهم يخلقونه، والدليل على ذلك هو ما حدث قبل بضعة أيام عندما صار جلباب زوجة رئيس الحكومة قضية وطنية، وعلق الصغير والكبير على الجلباب الوردي لزوجة بنكيران.

يعرف الجميع أنه من غير اللائق أن تقول لامرأة، كيفما كان موقعها، إن لباسها غير مناسب، فبالأحرى إذا كانت زوجة لرئيس حكومة تلتقط صورة في قلب البيت الأبيض. والغريب أن الناس الذين علقوا على جلباب زوجة بنكيران لم يتكلموا عن فستان زوجة أوباما التي ظهرت مثل لاعب كرة السلة الأمريكي كريم عبد الجبار؛ لكن يبدو أن الناس يريدون أن يردوا إلى عبد الإله بنكيران بعض «الجميل» لما ارتكبه في حقهم، ولو عن طريق إهانة زوجته، فالرجل لم يترك زيادة كبيرة أو صغيرة إلا وضعها على كاهل المغاربة، فجاء الانتقام منه بطريقة غير مناسبة بالمرة.

هناك شيء آخر انشغل به المغاربة هذه الأيام، وهو فيديو يظهر فيه مصلون في مدينة الدار البيضاء وقد انقسموا إلى فسطاطين: فسطاط يؤدي صلاة المغرب في مقدمة المسجد ويؤمه إمام المسجد، وفسطاط يؤدي الصلاة نفسها في التوقيت نفسه في مؤخرة المسجد ويؤمه شاب بلباس رياضي.

عندما رأى الناس الصلاتين في مسجد واحد انقسموا بدورهم إلى فسطاطين: فسطاط لم يأبه لما جرى، وفسطاط يشتم المصلين في مؤخرة المسجد ويتهم «داعش» بالتوغل في مساجد الدار البيضاء، مع أن الأمر، في البداية والنهاية، لم يكن يتعلق سوى بمصلين غاضبين من إمام المسجد الذي تركهم في عز رمضان وذهب إلى كندا دون سابق إشعار، وعندما عاد احتجوا عليه بتلك الطريقة الخاصة.

في قضية جلباب زوجة بنكيران ومسجد الدار البيضاء الكثيرُ من الأوهام والثرثرة، لأنه إذا كان لا بد للمغاربة من أن يهتموا بشيء ظهر هذه الأيام في «اليوتوب» فعليهم أن يهتموا بشريطين قاسيين: الأول يظهر فيه مغاربة على الطريق السيار وهم ينهبون شاحنة انقلبت وعلى متنها المئات من قناني المشروبات الغازية، والشريط الثاني أنتجه شاب مغربي ذكي تظاهر فيه بتضييع ورقة مالية من فئة مائتي درهم، فانكشفت فيه الكثير من عورات هذا المجتمع المريض.

الشريط الأول تظهر فيه شاحنة مشروبات انقلبت في «الأوطوروت» فتهافت ركاب السيارات على نهب حمولتها بطريقة همجية وبدائية، في مشهد يثبت إلى أي حد لا نزال فيه محتاجين إلى الكثير من التربية والكثير من الأخلاق.

كان صادما حقا مشهد نساء ورجال وأطفال يغادرون السيارات ويجْرون لنهب المشروبات الغازية ويضعونها في سياراتهم، وبينهم أشخاص يبدو أنهم وقورون ومحترمون، لكن في لحظة ما فقد هؤلاء عقولهم وتحولت الشاحنة إلى غنيمة، واشترك الأب والأم والأولاد في عملية النهب. صحيح أنه لم يفعل ذلك كل الموجودين هناك، لكن الفيديو كان مخيفا لأن مغاربة كثيرين تحولوا فجأة إلى لصوص وفقدوا أخلاقهم في رمشة عين من أجل بضع قناني من «المونادا» التي كان من الممكن أن يحصلوا عليها مقابل أقل من 20 درهما.

الفيديو الثاني، الذي لم يأبه له الناس كثيرا، أنتجه شاب مغربي كان يتظاهر بأن ورقة من فئة مائتي درهم تسقط منه في الشارع العام، فتصرف أغلب الناس بدناءة مثيرة، إلى درجة أن شخصا أخذ الورقة المالية وهو يعرف من أضاعها، ثم طفق يبحث عنها مع الشخص الذي ضاعت منه.

عوض أن يناقش الناس موضوع جلباب زوجة بنكيران وانقسام المصلين في مسجد، كان عليهم أن يناقشوا ما هو أهم من ذلك بكثير.. يجب عليهم أن يناقشوا أخلاق المغاربة التي تسوء بشكل مخيف.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version