يوجد في حي مرشان شارع مستقيم محفوف بالمنازل ذات المعمار الألزاسي، وما يسمها أضلاع وعوارض وسقوف قرميدية ذات طابع مفرط في إنجليزيته، علاوة على منازل ضخمة على طريقة لويزيانا تقود إلى المقبرة الإسلامية.. قبور صامتة ولا وجود للأشجار وإنما حائط أبيض قصير. لم أدخل لأن عائلة كانت آخذة في دفن أحد أفرادها.

تعتبرالمقبرة اليهودية العتيقة بدورها مقبرة بحرية. وتقع في مدخل المدينة العتيقة في ظلال الأسوار وتطل على بحيرة زرقاء وباهتة. الحوض الكبير للميناء. بوابة حديدية مغلقة بمزلاج وطريق صخري، منزل صغير وحبال من الغسيل. هتفت بي امرأة مغربية قائلة: هل أنت يهودي؟

سوف تكون كذبة جواز سفري إلى هذا العالم من الأضرحة وشجر الأوكاليبتوس والأرض الجرداء والفضلات وأكياس المقامة المرمية في حفر الميدان. كانت ثمة ندف من الصوف عالقة بالشوك والعوسج. راعي غنم يقود قطيعه كي يرعى بين شجر الطقسوس. كنا نصغي من خلل غمغمة المدينة وصراخ الباعة في السوق إلى صخب الأمواج. كانت المرأة في انتظاري، وقد أديت ثمن تأشيرة خروجي: خمسة دراهم.

تقع المقبرة الأوربية القديمة في زنقة إيطاليا في الجانب الآخر من المدينة العتيقة خلف أسوار عالية وأبواب موصدة. طرقت الصفيح ثم لبثت أترقب. وفي النهاية، رأيت رجلا يعبر الزنقة ويدفع عربة وفي جيبه مفتاح. مر بجواري. مررنا في البداية بكوخ خشبي مغطى سقفه بغطاء منسوج بين قبرين. التفت إلي باسما: إنني أقيم هنا..

_ هل أنت مسرور؟
_ نسبيا.
_ هل الأمور على أحسن ما يرام؟
_ الهدوء موجود ليلا
_ هل ثمة أشباح؟
_ لا، لكن ثمة شبانا يأتون لتناول البيرة. سوف أطلعك على ذلك

شمر عن ساعديه وبدأ برفع حاجز كان عبارة عن براميل. دلفنا إلى غابة كثيفة الأحراش في قلب طنجة. كان لزاما قطع بعض الأغصان وتسلق بعض المواضع التي طالها الانجراف والانسلال على أربع وسط دهاليز من العشب الكثيف مسيجة بأعاصير من اللبلاب والقفز على ركام من الفضلات.. كنا ننقذف بغتة وسط ما يشبه الممشى الذي سير عليه من فترة قصيرة. وغالبا ودائما ما ينتهي برماد نار.. علب من البيرة وسياج حديدي قديم ومجلات بورنوغرافية على حواف القبور المبقورة. يبدو أن شباب المدينة يأتي لإحياء الحفلات الماجنة والصاخبة في هذا المحراب من الخضرة والأزبال.

سألته: هل يتعلق الأمر بأولاد وصبايا؟
_ لا، فقط أولاد..

صدرت عنه تنهيدة. إنهم يحدثون صخبا عظيما ويحُولون بيني وبين النوم. لقد ألفى نفسه مضطرا لإحاطة كوخه بالمتاريس. كان يظن بأنني جئت للبحث عن سلف قديم كي ينزع اللبلاب المحيط بالقبور وشواهدها ويمسح الشواهد بكم معطفه.

ترجمة: عبد المنعم الشنتوف

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version