طنجة هي شاطئ بلايا في عنفوان المراهقة أيام كانت المنطقة “كارت بوستال” نظيفة كما صنعتها السماء، وقبل أن يهجم الإسمنت وناطحات السحاب وتترك غابة الغندوري والمريصات مكانها للفنادق والمركبات السياحية وجشع المضاربين وسماسرة العقار.
وحده “كلوب ميديتيراني” هناك ظل شاهدا على تاريخ جميل مضى. النادي توقف من سنوات بعيدة. الناس لا تعرف أمجاده كما لا تعرف” فيلا هاريس” التي تحدثت عنها كتب طنجة.. فيلا هاريس كانت تنافس مرافق سياحية مصنفة من الطراز العالي في العالم.. كانت قبلة لنجوم العالم ولأثريائه والباحثين عن المتعة و الحلم.
في الجهة الأخرى من المدينة في اتجاه ملتقى البحرين الأطلسي والمتوسط في كاب سبارتيل مرحبا بك في الجبل الكبير. منطقة سكنية راقية صممها الإنجليز والأجانب وسكنها دبلوماسيون ورجال أعمال وفنانون من العالم. عالم تختلط فيه الغابة الطبيعية بالحدائق الانجليزية.. وعلى جهة في منحدر الجبل الكبير توجد مقبرة الكلاب المعلمة الشهيرة على واد ليهود.
كاب سبارتيل جاء بناؤه بعد غرق سفينة في المنطقة البحرية مثلما حدث لتيتانيك. حكومات بلدان أجنبية هي من شيد منارة كاب سبارتيل، و”كعبون” هو حارسها الذي ظل يحرس البحر إلى أن مات وورثه آخرون.
طنجة هي أن تخرج ثملا بالدهشة والبهجة من سينما “غويا” المقابلة لإذاعة طنجة بعد مشاهدة فيلم “هير”.. ثمل بما شاهدته في فيلم دعا الشباب إلى الثورة بالموسيقى والحب على النمطية والتقليد. كنا نكتشف العالم ونكتشف السينما والسياسة والحب و نكتشف المدينة بعد أن خرجنا من رحم أحيائنا الهامشية. نخرج من “غويا” وتسخن الأمعاء مع بيصارة شارع موسى بن نصير الشهيرة. بيصارة موسى بن نصير ما أدراك ما هي بعد السينما والجوع والبرد.
طنجة هي الغيطة والطبل وجهجوكة و”رولينغ ستونغ” و”مايك جاغير” باحثا عن إيقاعات جديدة وعن السبسي والكيف والجوانات في القصبة و السوق الداخل. وفي المقابل هي أيضا أغاني الكرفطي والعروسي و”يا شامة وراح الليل” و”طرطق البارود في العقبة ذ غزاوة لحبيبة جرحتيني”..كم أعشق هذه الصورة الشعرية القوية.. البارود والحبيبة.. شيء قريب إلى ملاحم اليونان.
طنجة في صورة أخرى المدينة التي هرب إليها “جيل البيت” أو جيل التيه من الفنانين والكتاب الأمريكيين بحثا عن أفق آخر نقي بعيد عن وحش الرأسمالية الزاحف والحروب. جاك كيرواك وجينز بولز، التي انتحرت في مالقة، ووليام بوروز، المتمرد الكبير الذي كتب فصولا من “المأدبة العارية” في فندق صغير متواضع، وبول بولز الذي فضل البقاء بالمدينة إلى وفاته.
عمر أوشن: صحافي ومدير “نادي الصحافة” بالرباط