النفوس البشرية منذ أن أوجدها بارئها في الدنيا، إلا وكانت هذه الأخيرة دار اختبار وتجريبا لهذه النفس الأمارة بالسوء، وبالتالي فهي تتجاذبها و تتصارع بدون انقطاع مع  قوى متعددة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ويمكن إجمالها في: قوى الخير وقوى الشر. فتارة تنتصر وتارة تهزم، فحين تنتصر تكون بذلك سلكت طريق الخير والرشاد، ووجهت كل رغباتها وطاقتها فيما يرضي الله ، حينها يسمو صاحبها ويصير الشخصية المحببة لدى جميع الناس، والمقربة إلى الباري عز وجل. أما إذا  استسلمت لشهواتها وطموحاتها اللامشروعة، وتخطت الرقاب ووقعت في المحظور، أي البعد عن الله، ونفور الجن والإنس من خبثها، فحتما ستحصد الهزيمة تلوى الهزيمة.

ومن السلوكيات التي تلوث النفس البشرية وتجعلها غير منسجمة مع الذات الإنسانية ومع خالقها، هي اتصافها بالعجب والأنانية غير المبررة، وحب التسلط والتملك. وهناك من الأشخاص، من تعجبهم أنفسهم ولاسيما حين تتاح لهم فرصة التربع على عرش مملكة أو شركة أو إدارة، يهيأ لهم أنهم قادرون على تدبير أمور البلاد والعباد وبالتالي يضفي الشخص على نفسه صفة القائد المحنك أو الشخصية القيادية. فهذا ما سنناقشه في هذا الموضوع ونميط اللثام عنه قدر الإمكان، لتتضح الرؤية لدى جميع الناس ليستطيعوا التمييز بين من يرونه الجدير بنعته الشخصية القيادية وبين من يستغل بني جلدته لتحقيق أحلامه، وإن اقتضى الأمر إقبار كل من يخالفونه الرأي أو يفوقونه تجربة وحكمة.

كثير من الناس من يعتقد بمجرد ما يضع مؤخرته على كرسي رئاسي أو إداري يبدأ بتوجيه العباد يمينا ويسارا بإشارة من أصبعه، وبنبرة صوتية حادة، وانفراده في أخذ القرارات ، والتعصب لفكرته، واتخاذ قرارات جائرة في حق المستضعفين من الموظفين، وضرب عرض الحائط رغباتهم واقتراحاتهم وحتى معاناتهم ، أنه مثالا للشخصية القيادية. كما أنه يعتبر تنازله عن هذه الصفات التي أفصحنا عنها مسا صارخا بتلك الشخصية. وفي الحقيقة إذا أخذنا هذا الأمر على محمل الجد سنجد العديد من الموظفين السامين “وحتى ممن ضحكت في وجهه الدنيا”، أي من استفاق في الصباح ووجد نفسه يشغل منصبا هاما أو يمتلك سلطة لم تراوده حتى في حلمه “عفوا في سباته”، يعتبر كل من حوله من موظفين وأعوان بمثابة رعاع يحق له العبث بهم في أي زمان ومكان. وهذا السلوك لا يصدر إلا عن موظف ” سام” تبوأ مقعدا لا يستحقه ، ولا من المؤهلات العلمية والكفاءة الإدارية ما تجعله يحظى باحترام وتقدير كل العاملين الذين ينضوون تحت رايته.

السؤال الذي يبقى مطروحا هو: هل كل من يمتلك سلطة أو يشغل أعلى المناصب يتمتع بروح الشخصية القيادية؟. فجل الأشخاص من يعتقدون أن القادة يولدون ولا يصنعون، وذلك لصعوبة امتلاكهم صفات القيادة. وحتى نتحدث بكل موضوعية فصفات القيادة لا يملكها إلا ندر من الناس. فالقائد المثالي هو من يرتكز إلى القدرة والفعل والأداء والكفاءة. فعلى مستوى القدرة يكون قادرا على ضبط النفس حين مواجهته لقضايا مهنية قد تفقده صوابه، أن تكون له القدرة على الإقناع وأن يبتعد عن التعصب، وأن تكون له القدرة على اكتساب المؤهلات التي تمكنه من النجاح في تسيير مؤسسته أو إدارته، كما يجب أن تكون له القدرة على معرفة نفسه ونفسيات العاملين لحسابه، وأن تكون له القدرة على وضع الخطط الواضحة والممكنة التطبيق والمتجانسة مع الإمكانيات المتاحة. كما يجب أن يتمتع بروح ديمقراطية تمكنه من توزيع المهام والأدوار على الموظفين بحكمة بالغة. وأن يتجنب الصرامة المبالغ فيها، والأهم أن يكون قدوة حسنة وأن يتحلى بأخلاق عالية مما يجعله أداة للتجميع لا للتفرقة، والأهم الأهم من هذا كله أن يتمتع بصحة نفسية عالية.

قد يتساءل البعض لماذا تم التأكيد على هذه الصفة الأخيرة دون غيرها من الصفات؟ فالتاريخ البشري حافل بالشخصيات القيادية التي قتلها غرورها وبطشها، والسبب راجع إلى إصابة هذه الشخصيات بأزمات نفسية وعلل ما قد يفقد قدرتهم على الفصل بين الصالح والطالح وبين الخير والشر وبين الظالم والمظلوم.

نحن نؤكد على صعوبة إيجاد إنسان سوي خال من العلل، أو إيجاد شخصية بطولية تتمتع بكل الصفات التي أفصحنا عنها، وكذلك التي لم يسع المجال لذكرها، إلا أننا لا نستبعد أن تجتمع بعض الصفات في شخص، ما يؤهله أن يلعب دورا رياديا في حياته الاجتماعية والمهنية، وبالتالي يصبح مثالا يحتذى وأنموذجا للشخصية المؤثرة. ولن يتأتى هذا كله إلا إذا استحضرنا في حياتنا سير الشخصيات التاريخية الأكثر تأثيرا في البشرية جمعاء وعلى رأسها خير البرية نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم. ومجمل القول في هذا الباب، أن الإنسان لا يعلو ولا يسمو إلا بإيمانه وأخلاقه وحلمه وعلمه ورجاحة عقله.

شاركها.

تعليق واحد

Exit mobile version