الإنسان منذ أن وجد على هذه البسيطة وهو معرض لأزمات جمة قد تفقده صوابه وقد تربك حساباته في حياته من ساسه إلى رأسه، ومع هذا كله تبقى الحياة بإكراهاتها وأزماتها محكا حقيقيا لاختبار إمكانات الإنسان، العقلية والنفسية وحتى البدنية، في قدرته على تخطي العقبات، وفي نفس الوقت أن يكون منسجما مع فكره وذاته محاولة منه إيجاد حلول لتلك الأزمات، وكذلك تقديم يد المساعدة للمستضعفين في الأرض.

كما أن هذه الحياة تعتبر دار اختبار لمدى جهوزية الإنسان للقاء ربه وهو مرتدي ثوب الطهارة بعد أن خلًص نفسه من كل العقد ومن وساوس الشيطان، وسلك بذلك طريق الهادي محمد صلى الله عليه وسلم، الذي من خلال تفحُص سيرته العطرة سنجدها حبلى بالدروس والعبر، ولاسيما فيما يتعلق بتربية ومجاهدة النفس، للرقي بها إلى أعلى الرتب حيث يطيب لها المقام بجوار الصالحين والعارفين بالله حق المعرفة.فنحن اليوم أصبحنا نعيش أزمة أخلاق حقيقية رغم التطور العلمي والاقتصادي وحتى الاجتماعي الذي حققه الإنسان، إلا أنه وفي ظل هذا التطور المضطرب، وجد نفسه بعيدا كل البعد عن الجانب الأخلاقي، الذي لم تعطى له القيمة الحقيقية، فهو يعتبر عنصرا أساسيا في تطور الشعوب والحضارات ؛ فعلى أخلاق رسولنا الكريم بنيت الحضارة الإسلامية وازدهرت، بحيث كان خلقه القرآن، مصداقا لقوله تعالى:” وإنك لعلى خلق عظيم”.

فأين نحن الآن من أخلاق نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم؟.

إن الغرب اليوم وحتى العالم الإسلامي برمته، رغم ما حققوه من انجازات وعلى جميع المستويات وجدوا أنفسهم يعانون من أزمة روحية جعلتهم يزجون بأنفسهم داخل دائرة الشك التي فرضت عليهم طرح السؤال التالي:” من الأرقى والأقوى على وجه الكرة الأرضية؟ هل من فسدت أخلاقه واستسلم شبابه للفواحش والمنكرات، واختلط في دمهم الحلال بالحرام، بدعوى أن كل هذا يدخل ضمن خانة الحرية الشخصية وتحرير النفس من العقد والمكبوتات، وبالمقابل تحرير الاقتصاد وتنامي ظاهرة الرأسمالية التي لا تخضع لأية ضوابط أخلاقية سوى تحقيق الربح وبأية وسيلة كانت، وهذا ما يطلق عليه بالمجتمع المادي.أم يلتزمون بالأنموذج الإسلامي الذي أرسى قواعده وأسسه خير البرية، والمتمثل في تربية النفس، عن طريق تطهيرها من كل دنس، وتحصينها روحيا لتقوى على مجابهة الصعاب، ومحاربتها لكل أشكال التطرف و الانحلال، وهذا ما سيساعد المرء على بناء حضارة إنسانية قائمة على أسس متينة تجعل من تربية النشء و على حب الله ورسوله والإقتداء بسنته، الأرضية الصلبة التي سيشيد عليها طموحاته ويساهم في إعمار الأرض .

ولنا في ذلك أمثلة عديدة سنختصر منها ما يلي: حين انطلقت الفتوحات الإسلامية في عهده، صلى الله عليه وسلم، لنصرة دين الله بإيصاله إلى أبعد الحدود، و تنفيذا لخطاب رب السماء، أعطى دروسا لصحابته الغُرَ، ولكل بني البشر، في الالتزام بأخلاق الحروب وضوابطها، مع العلم أننا اليوم أصبحنا نعيش على إيقاع التقتيل والتهجير، الذي ذهب ضحيته من لا حول له ولا قوة له، والأدهى والأمر من هذا كله، من أراد أن يختبر مدى بطش آلته العسكرية، وفي نفس الوقت ليستعرض عضلاته أمام العالم، ويقوم بتجريب سلاحه الفتاك في رضع وأطفال غزة وسوريا، بأن لا يقطع الشجر والزرع، بأن لا يقتل الشيخ والطفل، ولا يهتك عرض المرأة، وأن يرفع السلاح في وجه المتحارب في ساحة الوغى، وأن يترك المسالم، وحتى من وقع أسيرا في يد المجاهدين، فعن حاله ومعاملته فلا تسل، فقد أوصى به خيرا، وكان له من وراء هذا الإجراء أهداف جمة حققت النماء والإزهار للإسلام والاقتصاد الإسلامي برمته، لا يسع المجال لاستعراضها فكتب السيرة احتوت ما لا عين رأت ولا أذن سمعت بخصوص هذا الموضوع.

كما أننا لسنا متخصصين في دراسة سيرته الزكية، وليس لنا من الإمكانات العلمية ما يؤهلنا للحكم على إنجازاته التي يعرفها القاصي والداني، ولكننا وجدنا أنفسنا مضطرين لنصرة حبيبنا، ولو بكلمة صادقة، تخرج من عمق الإحساس بمسؤوليتنا تجاهه يوم لقاء الله .كما أنه صلى الله عليه وسلم أعطى دروسا مجانية لخبراء الاقتصاد حين شرع الزكاة للقضاء على الفقر، ورفع راية المستضعفين، كما أنه حارب التعامل بالربا لكي لا يختلط المال الحلال بالمال الحرام ويعم بذلك الفساد، كما أنه طاف في الأسواق حرصا منه على أداء الأمانة ومراقبة المكاييل والأوزان، وفي نفس الوقت لتبيان ما يمكن الاتجار فيه من السلع وما يضمر لكي يسود الصفاء بين البائع والمشتري، كما أنه أعطى دروسا للمعلمين في كيفية تمكين المتعلمين من المعرفة، فجلساته العلمية كلها دروس وعبر، فكان عليه الصلاة والسلام ينزل بفكره وتواضعه لمستوى المتعلمين سواء كانوا أطفالا أو شبابا أو شيبا، كما أنه لا يخرج من فِيهِ الكريم إلا الكلم الطيب، وحديثه وهمسه كله خير وموعظة، ففي عهده نمت التربية والتعليم، وسار على منواله الصحابة الكرام في هذا الباب.

كما أنه صلى الله عليه وسلم، أعطى دروسا في التسامح والعفو عند المقدرة، وهذا ما نفتقده في وقتنا الحالي، حيث يسود في مجتمعنا حب الانتقام والنميمة والتجسس للإطاحة بالفرد، والنيل منه في أدنى فرصة تتاح لكل متجبر وطاغية ناقم على عبد دليل لله منحه الله رجاحة العقل ونقاء السريرة وعزة النفس ما تجعله محط الأنظار، الشيء الذي يدفع كل متسلط ينتهز فرصة سحب البساط من تحت أقدامه أو الزج به عمدا في تهمة لا تليق بشرفه، فأين نحن من أخلاق النبي المعظم؟ هذا سؤال سيجعلنا في حرج دائم مع من لا ينتمي لدائرة الإسلام، لأن الشخص أو البلد الغير المسلم، قد يعجب لحالنا كمسلمين، فكلنا ندعي أننا على المحجة البيضاء، ولكنهم يرون في تعاملنا مع بعضنا البعض ومع غيرنا أنهم أشرف منا، فصورتنا أصبحت مشوهة في الأوطان المسيحية لأننا لم نمثل هناك الأخلاق المحمدية أحسن تمثيل، إلا من رحم الله بطبيعة الحال، وهذا ما استغله الغرب استغلالا للإطاحة بالإسلام والمسلمين، في نظرهم لو كان الخير سيأتي من الشخص المسلم لما انتشر بين المسلمين أنفسهم الفسق والفجور، الغش والكراهية، الحقد و البغض . فلهذه الأسباب ثار علينا الغرب وكان ما كان، فنسأل الله أن يهدي شباب المسلمين وأن يرحم قوينا، مالا وجاها ومنصبا، ضعيفنا، ويهدي فينا المتقي كل ضال، حينها فلا خوفَ علينا ولا هم يحزنون.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version