لنعترف، أولا، بأننا أمام رئيس حكومة استثنائي في كل شيء، رئيس حكومة يختلف كثيرا عن كل الوزراء الأولين الذين تعاقبوا على تدبير الشأن العام منذ الاستقلال…

إنه رئيس السلطة التنفيذية الذي يتكلم كثيرا ويحكي كثيرا، إذا ما قورن بوزراء أولين لم نكن نسمع لهم حسا ولا خبرا. ولا غرابة أن يكون سلفه عباس الفاسي وزيرا أول قضى فترة ولايته دون أن يكلم أحدا، في الوقت الذي جاءنا بنكيران ليتحدث في كل شيء، وفي كل مكان.

هو رئيس اسثتنائي لأنه قادر على أن يرقص أمام الحشود، وأن يغني ويبكي بعد ذلك أمام نفس الحشود؛ لذلك يردد المغاربة أن بنكيران نجح في كسب ودهم، ليس لأنه أنجز المطلوب منه وقضى على كل البؤر السوداء، ولكن لأنه يكشف، بين الفينة والأخرى، عن الكثير من المستور في الحياة السياسية للبلد.

بنكيران يتحدث عن الملك وعن علاقته بالملك، ولا يتردد في الاعتراف بأنه كثيرا ما اختلف معه أبدا في قضايا أساسية؛ ويتحدث عن الأغلبية والمعارضة، وينتقد بعض رموزها إلى درجة أنه يصفهم أحيانا بأوصاف قدحية؛ويحكي عن رفاقه في العدالة والتنمية الذين عليهم أن يتبعوا خطوه الذي رسمه لهم منذ أصبح قائدهم وزعيمهم.

وكلما جاء إلى البرلمان بغرفتيه إلا وصنع حوله فرجة سياسية لا يصنعها غيره… فرجة يوظف فيها الدارجة المغربية وسور القرآن والأحاديث النبوية وحكايات زمان. ويصبح الأهم بالنسبة إليه هو أن يغادر القبة المعلومة وقد كسب كل المعارك التي فتحها، وأضاف إلى رصيده بعض النقط، تماما كما حدث في آخر استطلاع للرأي حول شعبيته.

ونكتشف في كل محطة كيف أن بنكيران حاضر يصنع الحدث؛ فقد كشفت نتائج الاستقراء السياسي، الذي أنجزته كل من جمعية «مبادرة طارق بن زياد» ومؤسسة «أفرتي» المتخصصة في استطلاعات الرأي، عن زيادة بـ11 نقطة إضافية لشخص رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، وبذلك ارتفعت شعبيته من 51 إلى 62 في المائة، كما ارتفع أيضا مؤشر الثقة في حكومته من 43 إلى 53 في المائة.

المثير في هذه الأرقام، التي كشف عنها الاستقراء السياسي -وإن كانت نتائج هذا الاستقراء لا تستقيم في تجربتنا المغربية، مثلها مثل استمزاج الرأي أثناء الحملات الانتخابية التي ندخلها- هو أنها غير منسجمة مع حصيلة بنكيران الحكومية في أكثر من مجال.

فعلى الرغم من أن هذه الحكومة تجاوزت اليوم نصف ولايتها، وتسير إلى ثلثها الأخير، فإن الكثير من الملفات لاتزال معطلة اجتماعيا، رغم بعض الروتوشات. وسياسيا، حيث لاتزال فقرات وفصول من الدستور المغربي الجديد (د 2011) معطلة بسبب ضعف الحكومة أو خوفها من الاقتراب من ملفات حساسة قد تجعلها تضع اليد في عش الدبابير. والخلاصة هي أن بنكيران، الذي يقدم نفسه دوما في صورة الضحية التي تواجه جلادها، قد يجد في هذه الصورة الاستثنائية التي يقدمها مبررا للوصول إلى قلوب المغاربة بدلا من أن يصل إليهم عن طريق إنجاز ما ينتظر منه.

والأكيد هو أنهم في حاجة إلى رئيس حكومة لا يرقص ولا يغني ولا يبكي أيضا؛ وإنما يريدون رئيس حكومة يطبق بعضا مما وعد به لكي يستحق بالقوة والفعل تلك النقط التي كسبها من ذاك الاستقراء السياسي الذي لا يثق المغاربة بنتائجه كثيرا.

بقي فقط أن نقول إن بنكيران، بالإضافة إلى كونه رجلا استثنائيا، فهو رجل تعشقه نساء ورجال الإعلام لأنه قادر، في كل خروج إعلامي، على أن يطلق أكثر من خبر في السياسة وفي غير السياسة.. وهي خصلة تحسب له على كل حال.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version