الملك ألفونسو الثالث عشر.. لا يزال الإسبان يذكرونه على أنه شؤم على إسبانيا، رفقة الجنرال مانويل فيرنانديث سيلفستري طبعا، الذي وعد الملك بأنه، في ظرف أيام معدودة سيشرب الشاي في منزل محمد بن عبد الكريم الخطابي في بلدة أجدير، فكان أن شرب بوله بسبب العطش بعد أن اشتد حوله الحصار من طرف مقاتلي بن عبد الكريم قبل أن ينتهي صريعا بين آلاف القتلى الإسبان.
تولى الحكم في السادسة عشرة
ولد الملك ألفونسو في السابع عشر من ماي سنة 1886 في العاصمة الإيطالية روما، أي بعد أربع سنوات من ولادة محمد بن عبد الكريم، وتوفي في الثامن والعشرين من فبراير عام 1941، أي قبل 22 سنة من وفاة بن عبد الكريم، وبعد عشر سنوات من إقصائه عن عرش إسبانيا عقب الأحداث الخطيرة بين الأحزاب والتيارات السياسية الإسبانية، حيث اضطر إلى اللجوء إلى العاصمة البريطانية لندن، وبذلك عاش هزيمته الوطنية حين ألحق به بن عبد الكريم أقسى هزيمة عسكرية، وعاش هزيمته الشخصية حين أزيح عن العرش ولجأ إلى المنفى.
تولى ألفونسو الثالث عشر شؤون العرش وهو في السادسة عشرة من عمره، وحاول منذ ذلك الوقت أن يكون ملكا ناضجا وحريصا على شؤون رعيته، حيث زار كل مناطق إسبانيا في السنوات الأولى التي تلت وصوله العرش، كما زار بلدانا أجنبية كثيرة في وقت لم يكن تقليد السفر يدخل ضمن البروتوكولات الملكية. وربما من سوء حظه أن أول زيارة له إلى فرنسا كادت أن تودي بحياته عندما تعرض لمحاولة اغتيال، أثناء مرافقته للرئيس الفرنسي إميل لوبي، وخرجا منها سالمين.
طارده النحس
سنة 1906 تزوج الملك ألفونسو من الأميرة البريطانية فيكتوريا أوجين باتنبيرغ. لكن هذا الزواج كان علامة نحس مرة أخرى في حياة الملك الصغير حيث تعرض مرة أخرى لمحاولة اغتيال وهو عائد إلى قصره في العاصمة مدريد رفقة العروس، عندما رمى عليهما أحد “الرعايا الأوفياء” باقة من الورد كانت في داخلها قنبلة. لكن الملك وعروسه نجيا بأعجوبة في هذا الحادث الذي مات وجرح فيه كثيرون.
خلف ألفونسو وراءه سبعة أولاد بين بنين وبنات، أكبرهم الأمير ألفونسو الإبن، الذي تخلى سنة 1933 عن حقه في وراثة عرش أبيه من أجل أن يتزوج امرأة من عامة الشعب تنحدر من أصول كوبية إسبانية. وفي عهد الفونس فقدت إسبانيا الكثير من مستعمراتها فيما وراء البحار، خصوصا في منطقة الكاريبي وأمريكا اللاتينية والفلبين. لذلك قرر “ملك الهزائم” أن يبحث عن انتصار قريب جدا هذه المرة… في منطقة الريف بشمال المغرب.
هيا إلى الموت يا رجال
لكن المكان الذي بحث فيه الملك ألفونسو عن المجد، هو نفس المكان الذي سيجد فيه المذلة. هكذا توالت مشاكل الملك في هذه المنطقة حتى قبل أن تحدث حرب الريف ومعركة أنوال.
كان الملك الإسباني، عوض أن ينظر إلى الأشياء بمنظار الواقعية والحذر، فإنه كان يرسل عبارات حماسية وحالمة إلى جنرالاته وجنوده تقول “هيا إلى المجد يا رجال”، أو عبارات أخرى كانت تحملهم في الواقع إلى الموت وليس إلى المجد.
بعد أن حلت نكبة أنوال، فإن الملك ألفونسو حاول جهد الإمكان أن يتجنب إنجاز تحقيق عما جرى، وبذلك أقبر تحقيقا شاملا عن معركة أنوال عرف باسم “ملف بيكاسو”، نسبة إلى خوان بيكاسو غونزاليس، الذي أشرف عليه. وبعد سنتين من النكبة قام الجنرال بريمو دي ريفيرا بانقلاب عسكري استولى فيه على كل شيء، بينما كان الملك يدعمه حتى لا يسقط بفعل الهزيمة في شمال المغرب.
“أنوال” غيرت كل شيء
كانت الحكومة الانقلابية الجديدة في إسبانيا، بدعم من الملك، هي التي قررت إخضاع شمال المغرب بشكل نهائي وباستعمال كافة السبل والطرق المتوحشة، بما فيها استخدام مكثف للغازات السامة التي عجلت باستسلام آخر المقاتلين في المنطقة بعد أن امتد استعمالها ضد كل مناطق المقاومة انطلاقا من حدود الريف الشرقية وحتى مدينة شفشاون وضواحي طنجة وقبائل جبالة على حافة مضيق جبل طارق.
لكن كل ذلك لم يجد نفعا لملك لهزائم الذي وجد نفسه بعد سنوات في قلب مظاهرات صاخبة تهتف بسقوطه بعد بضع سنوات على إخضاع شمال المغرب بالأسلحة الكيماوية.
في سنة 1931 سيغادر ألفونسو البلاد بعد انتخابات حرة ونزيهة انتصر فيها اليسار، وبذلك دخلت البلاد مرحلة جديدة وخطرة وسارت بخطى حثيثة نحو حرب أهلية طاحنة نشبت سنة 1936 واستمرت حتى 1939، ووصل على إثرها الجنرال فرانسيسكو فرانكو إلى الحكم بعد أن قضى على الجمهورية الإسبانية وأنصارها.
منذ ذلك الحين وحتى 1975، تاريخ موت فرانكو، ظل الإسبان “يمشون على البيض دون أن يكسروه”، حتى حلت الديمقراطية من جديد وعادت الملكية هذه المرة مع الملك خوان كارلوس الأول دي بوربون، الذي لا زال ملكا على البلاد إلى اليوم.
هكذا تغيرت إسبانيا كثيرا في ظرف قرن من الزمن، أما الشرارة التي دفعت إلى كل هذه التغييرات والاضطرابات فاسمها… معركة أنوال.