طنجة أيضا هي عيساوة ودرقاوة وحمادشة وكناوة، وأصناف من الموسيقى الصوفية، ولالة جميلة التي قدمها إلى المسرح الزبير بن بوشتى، ومقهى الحافة وموعد وصول باخرة ابن بطوطة إلى الميناء.. ثم هي أيضا محمد شكري وخبزه الحافي الذي فتح المدينة للعالم بأسره لم كان لا يعرفها.

طنجة هي سينما كابيتول وتقابلها سينما كازار في أسفل عقبة القصبة. و حين تخرج من باب الفحص تقابلك مباشرة سينما الريف التي كان الدخول لها يتطلب تدافعا كبيرا ومقاتلة و عراك.. يهون كل شيء من أجل الجسد المشتهى للممثلات الهنديات وكذا لرقصات وبكائيات و قتال شاشي كابور وشامي كبور وأميتابا شان.

كنا نحلم أن نصير في يوم ما مثل أميتابا شان.. كنا سنموت بالحزن لولا الأفلام الهندية.. كانت هذه الأفلام تخفف من بؤسنا وضياعنا.. كانت تقوم مقام الطبيب النفسي اليوم.

طنجة هي دروس العلامة بن الصديق الزمزمي، عليه الرحمة، والعوم في مياه مرقالة وأكل سمك “تاغزالت” مشويا مخلوطا بروائح أعشاب البحر، ومباريات نهضة طنجة المتوترة المصيرية مع الجار الخصم المغرب التطواني.. وهي أيضا حلمنا في الشبيبة بالماركسية والشيوعية في مقر الحزب  بكراج المرابط  قرب ساحة الأمم. كان المختار الدرداب ألمعنا جميعا في الدراسة والسياسة والكرة، كان حكيما في كل شيء قبل الأوان، قبل أن يختفي في بلجيكا وتقل زياراته لطنجة.

طنجة هي الشهوة التي كانت تتدفق بغزارة وتدوخ رؤوسنا وتشرئب أعناقنا حين نرى النصرانيات يتمددن و يسبحن في شاطئ “مالاباطا” بنهود مكشوفة مصرح بها للجميع. كان التلصص من زجاج الفندق على المسبح في الداخل كأنما هو تلصص على الجنة.. كنا نتعذب ونستمتع ونضحك.

أما إذا حصل ونجحت في الظفر بهروب صغير مع رحيمو إلى غابة” شطاب العياشي” تحت الجبل الكبير، أو إلى منحدر قرب مقبرة المجاهدين، فكن متيقنا أن حليبك سيسري ساخنا طريا في سروالك بين فخذيك من القبلة الأولى الهاربة.

طنجة هي حكاية الناس الذين كانوا يحملون ألقاب لاعبي ريال مدريد والبارصا  القدماء في مرشان والدرادب والسواني وكاسابارتا وبني مكادة والمصلى وأحياء أخرى. كنا نسمع عن حميدو سانتيانا ومصطفى  أمانسيو، ونسمع عن  بيري.. وهو طبعا بيري الطنجاوي وليس بيري إسبانيا.

طنجة قصة ثنائية الهدم والبناء والضوء والعتمة والليل والنهار. لك عالمان منفصلان لكن متكاملين في جدلية الحياة والموت و المتعة. في فيلم تسجيلي قصير عن طنجة أنتبه عبدو جلال إلى الحكاية فصور أبواب المدينة في النهار والليل. لم يقصد أبواب الأسوار العتيقة بل هي أبواب عادية متاجر ومقاه وحانات وعمارات وغيرها من الأبواب الممكنة.

المفارقات كبيرة بين ليل طنجة و نهارها.. ليل طنجة ضاج عنيف كأنه عراك “غلادياتور” مع الحياة. ليل طنجة أيضا راق ورومانسي وحالم وغارق في المتعة و والعطر و والكأس. “هي الليالي كده..” تقول المغنية السورية ميادة.

طنجة حكاية فرح لم يكتمل.

صحافي ومدير “نادي الصحافة” بالرباط

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version