في أمريكا اللاتينية، هناك عصابات كثيرة جدا لتهريب المخدرات، وهناك أموات بالآلاف، وهناك مقابر جماعية لا حصر لها، وهناك فساد كبير بين الأمنيين والسياسيين، لذلك فإن السكان لا يجدون ما يفعلون سوى أحد حلين، إما أن يخضعوا ويخنعوا، أو يتنظموا في مليشيات خاصة للدفاع الذاتي ضد المافيا.

في كل بلدان أمريكا اللاتينية المعروفة بإنتاج وتهريب الكوكايين، هناك مليشيات كثيرة للدفاع عن السكان، وهي مليشيات مسلحة أيضا ولها رؤساؤها ونظامها شبه العسكري، لأنه عندما يعجز العسكر عن مواجهة شبكات الكوكايين، فإن هذه المليشيات تقوم باللازم، لكنها أيضا تتعرض لمذابح لأن إمكانياتها بسيطة مقارنة مع إمكانيات شبكات التهريب.

لكن الغريب في كل هذا هو أن الكثير من هذه المليشيات التي أنشأها السكان للدفاع عن أنفسهم ضد الجريمة المنظمة، تتحول مع مرور الوقت إلى جزء أساسي من الجريمة المنظمة، ويعقد قياديوها الصفقات مع المافيا، ثم تتحول نحو الاتجار في المخدرات، وشيئا فشيئا تتحالف مع المافيا التي ولدت أصلا لكي تواجهها.

وفي تاريخ شبكات الفساد في العالم هناك الكثير من الأمثلة حول وجود أشخاص أو شبكات وجدت أصلا لكي تحارب الفساد والجريمة، لكنها مع مرور الوقت تتحول إلى جزء أساسي منها، فمن طبيعة الشبكات الإجرامية أنها تغري، بالعصا والجزرة، كل من يحاربها، وتطرح أمامه أحد أمرين، إما أن ينخرط في الشبكة وينال ما يناله أعضاؤها، أو تفسح الطريق وتختفي، وفي حالة رفضت الأمرين فإن الحل الأخير يعرفه الجميع.

في المغرب، نشأت الكثير من الأحزاب وفي أجندتها أهداف محددة لا تخرج في الغالب عن ترسيخ الديمقراطية ومحاربة الفساد والدفاع عن الشعب، ومن أجل هذه الأهداف ظهرت أحزاب كثيرة كما يظهر البطيخ الأصفر في الحقول صيفا. لكن هذه الأحزاب التي ظهرت لإشاعة ثقافة الديمقراطية ونزاهة الانتخابات هي التي تحتفظ بزعمائها لعقود طويلة، وعندما تجري بها انتخابات فإنها لا تكون مختلفة بالمرة عن الانتخابات التي تجري بطريقة رسمية حيث يرتدي التزوير قميص نوم أحمر شفاف ويرقص حتى انبلاج الصبح.

لنتفقد عدد الأحزاب المغربية التي جاءت لتحارب الخلود في السلطة كم من زعماء غيرت هي خلال عمرها الطويل وسنجد أن القبر وحده كان يغير زعماءها، تماما كما يحدث في الأنظمة الشمولية. ما الفرق إذن بين نظام شمولي وبين حزب شمولي؟

أما الفساد الذي ولدت الأحزاب لتحاربه فكانت أول من انخرط فيه. ولنتفقد مرة أخرى زعماء الأحزاب الذين كانوا يأخذون باليمين والشمال، هاك ضيعا وهاك فيلات وهاك أموال وهاك امتيازات وهاك أشياء أخرى كثيرة، مثل الملايير التي تتلقاها الأحزاب في كل موعد انتخابي لكي تشارك في لعبة بلا معنى، وصناديق المال التي “تسْرطها” صحفها المفلسة لكي تستمر في التصفيق لواقع مفضوح.

هناك أحزاب يسارية جدا جدا جاءت لتحارب الطبقية وتعيد السيادة للشعب. لذلك فإن قياديا في حزب شيوعي مغربي نزل من فراشه في منتصف الليل لكي يخلص ابنه الأرعن من قبضة الشرطة التي ضبطته متلبسا بالعربدة في وسط الرباط، وهناك مناضلون حمر، أكثر حمرة من الهنود الحمر، يقترفون أشياء لا يجرؤ رأسمالي قذر على ارتكابها.

النقابات جاءت أيضا لكي تدافع عن حقوق ومكتسبات العمال، لذلك تحول النقابيون سريعا إلى السمسرة في عرق العمال، وصار زعماء النقابات لا يختلفون في شيء عن زعماء كوريا الشمالية، أما البروليتاريا التي جاؤوا للدفاع عنها فصارت أولى ضحاياهم. وكلنا تابعنا يوم دهست ابنة النقابي الراحل، المحجوب بن الصديق، عددا من العمال بسيارتها الفارهة. فماذا تركت هذه الإبنة النقابية المدللة لـ”تْرّيكة” البورجوازيين النتنين؟

  في المغرب آلاف الجمعيات التي ولدت لكي تساعد الفقراء والمحتاجين وتساهم في إصلاح البنيات التحتية وتوعية الناس، لكن أزيد من 90 في المائة من هذه الجمعيات ظهرت من أجل هدف واحد وهو الحصول على الدعم من المال العام، أي أن حاميها حراميها.

هناك جمعيات أخرى ولدت من أجل الدفاع عن الأطفال، فتحولت فورا إلى المتاجرة بهم، وكلمة “المتاجرة” ليس مبالغة، بل حقيقة مرة، لأن المئات من الرضع والأطفال المغاربة الذين تم تهريبهم إلى الخارج تم بتواطؤ من طرف جمعيات مدافعة عن الأطفال.

أينما التفتنا نجد صفرة النفاق وسلوكات التحايل والغدر، فلا نعرف ماذا نحارب، هل الفساد الرسمي أم فسادنا نحن؟

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version