النساء يشتهرن بدقة الملاحظة، وسرعة البديهة، وهن أيضا يعشن هذه الأيام في غمرة الحملة الانتخابية التي ملأت الدنيا وشغلت الناس، وهناك من النساء من يوجدن في قلب الحملة الانتخابية الجارية، لكنهن لسن بمرشحات ولم يكن الهدف من حضورهن لعدة أنشطة حزبية تحديد الحزب الذي سيصوتن لصالحه يوم الجمعة 4 شتنبر، بل هن جزء من فريق ملاحظي الانتخابات المنتشر بعدة جهات بالمملكة لتتبع سير الحملة الانتخابية ورصد الخروقات المحتملة ورفعها في شكل تقارير يومية إلى لجنة الانتخابات التابعة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان.
تخوض ريم صادقي تجربتها الثانية في ملاحظة الانتخابات، وهي واحدة من بين 11 امرأة يشكلن جزءا من فريق الملاحظين التابع للمجلس الوطني لحقوق الإنسان بجهة الرباط-سلا- القنيطرة الذي يضم 40 ملاحظا يغطون 64 جماعة بالمنطقة، ولم يكن انضمام ريم لهذا الفريق بمحض الصدفة، بل كل شيء كان مرتبا لتمشي في هذا الطريق، فتكوينها قانوني محض لكونها باحثة في مجال العلوم السياسية،مثلما أنها كانت دائما تبدي اهتماما كبيرا بالسلوك الانتخابي للناخبين والمرشحين على حد سواء.
تؤمن ريم صادقي اليوم أن تلقي القواعد النظرية للسلوك الانتخابي و تحليل النظم الانتخابية لساعات داخل المدرجات الجامعية لم يكن كافيا بالنسبة إليها للإلمام بكل جوانب هذا الموضوع الذي لا يلوح بسيطا.
بدأت الخطوات الأولى مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالاستفادة من تكوين عام حول العملية الانتخابية مع تعريج على الانتخابات المحلية والجهوية التي لها قوانينها الخاصة و خصوصيتها، و الغاية هي تكوين الملاحظين حتى يخرجوا إلى الميدان مسلحين بصورة واضحة عن طبيعة مهامهم.
خلال الحملة الانتخابية جابت ريم صادقي دائرة بطانة بسلا يوميا ،وخلال مهمتها تتحول عيونها إلى كاميرا تلتقط كل شيء يدور حولها إبان الحملة الانتخابية، وهي المهمة التي تصفها ريم بقولها ” تتطلب منا مهمة ملاحظة سير العملية الانتخابية عدة ساعات في اليوم قد تصل إلى ست ساعات يوميا، في البداية حددت برفقة زملائي الأحزاب المشاركة في دائرة بطانة بسلا وتأكدت من اللوائح المنفردة أو المشتركة للأحزاب، ثم حصلت على أرقام هواتف المكاتب الحزبية بالدائرة الانتخابية و شرعت في العمل، وهكذا أبدأ يومي بإجراء مجموعة من الاتصالات مع الأحزاب السياسية في الدائرة التي كلفت بملاحظتها، ومن خلال تلك المعلومات أعرف خط سيري اليومي، بمعنى الأنشطة التي ستقوم بها تلك الأحزاب خلال ذلك اليوم، وأدون ملاحظاتي عن استخدام الأحزاب للملصقات وما يدور في التجمعات الحزبية وما إذا تخللها استخدام للعنف وأيضا توظيف الوسائل العمومية وتدخل الإدارة من عدمه، كما أسجل وجود أو غياب ملاحظين آخرين”.
بعد نهاية اليوم تتوجه ريم وباقي الملاحظين إلى مقر المجلس الوطني لحقوق الإنسان من أجل ملأ استمارة من ثمانين سؤالا مقسمة إلى عدة محاور خاصة بالخروقات التي يمكن أن تقع خلال الحملة الانتخابية، وترسل تلك الاستمارة لشبكة المجلس الوطني لحقوق الإنسان ليتم تحليل مضامينها لاحقا، مثلما يخول قانون 30/ 11- وهو القانون القاضي بتحديد شروط وكيفية الملاحظ المستقلة والمحايدة للانتخابات- يخول للملاحظين كتابة تقرير عن عملهم أو رفع توصية معينة إلى السلطات بشأن خروقات انتخابية.
تقر ريم صادقي أن احتكاكها بالميدان خلال الحملة الانتخابية كان له فائدة كبيرة على تكوينها بحيث أنها لامست عدة ظواهر وسلوكات انتخابية لم يكن بمقدورها أن تتعرف عليها من خلال دراسة النظم الانتخابية داخل مدرجات الجامعة، وخلال يوم الاقترع تجندت منذ الساعات الأولى ورفاقها مهمة شاقة تتمثل في معاينة أربعة مكاتب للتصويت خلال يوم الاقتراع في جولة تنتهي بمكتب مركزي للتصويت من أجل الوقوف على عملية فرز الأصوات و الإعلان عن النتائج، وتقول ريم صدقي “سيكون يوما عسيرا وستتطلب منا هذه المهمة قضاء ليلة بيضاء داخل مكتب التصويت حتى لحظة الإعلان عن النتائج”.
لكن رغم صعوبة المهمة وما تتطلبه من جهد وصبر، تبدو ريم صادقي متحمسة للاستمرار في خوض التجربة “أطمح أن أكون مكونة للملاحظين في الانتخابات في المستقبل القريب، وطموحي الأكبر أن أتمكن من القيام بمهمة الملاحظة في دول أخرى سواءا كانت متقدمة أو نامية بهدف دراسة خصوصية الانتخابات في هذه الدول ومقارنتها بخصوصيتنا الانتخابية، فالمقارنة وحدها ستمكننا من معرفة مكاننا على خارطة الانتخابات العالمية”.
نزار سلامة