على إثر سياسة التفقير التي نهجتها الشركة الفرنسية أمانديس، عبرت ساكنة طنجة في الآونة الأخيرة، عن رفضها التام للتبعية الخارجية، ولا سيما لدولة استعمارية مازالت تحاول أن تثبت حقوقها التاريخية بالمغرب، فبعد أن فشلت في اقتلاع قطعة أرض مغربية لصالحها، ومحاولة منها فرنسة المجتمع المغربي في عدة مناسبات وبمختلف الأساليب، انبرت هذه الشركة لتحقيق ما عجزت عنه الآلة العسكرية إبان الاستعمار العسكري، وهي استنزاف خيرات البلد عن طريق إحكام السيطرة على قطاعاته الحيوية، وتشريد مجتمعه.
لكن وقع ما لم يكن في الحسبان، حيث تفطن سكان طنجة لهذه الممارسات الاستعمارية، وعبروا بكل الطرق السلمية والحضارية عن مقاطعتهم لهذه الشركة التي داست على كرامتهم واستخفت بعقولهم، وبالمناسبة نحن نحيي كل من ساهم في إنجاح وتأطير هذه الانتفاضة السلمية، رغم بعض السلوكات الشاذة التي طالت هذه الانتفاضة والتي كانت خارجة عن إرادة الجميع، إلا أن ما يدعو إلى التساؤل والحيرة في نفس الوقت، حين يصطف بعض المسؤولين، أو ممن نراهن عليهم النبش في هذا الملف الشائك والذي يدخل ضمن اختصاصاتهم ومسؤولياتهم ، إلى جانب المحتجين والمتظاهرين كأن حالتهم الاجتماعية تدعو إلى الشفقة، وفي هذا المقام نستحضر الصراعات السياسية التي يكون الغرض منها استغلال الحراك الشعبي للإطاحة بهيأة أو حزب معينين، فهذه الأساليب الماكرة التي يلجأ إليها المتصارعون الحزبيون قد تجر البلاد إلى الهاوية و إلى ما لا يحمد عقباه، وفي نفس الوقت سنحملهم المسؤولية كاملة في حالة زاغ قطار الاحتجاج السلمي عن سكته.
إن لعبة الكراسي المتحركة التي ينتهجها المسؤولون والمنتخبون في مثل هذه المناسبات يجب أن يوضع لها حد، وليتركوا المواطن الطنجي خاصة، والمغربي عامة، يدافع عن حقوقه وكرامته بمعزل عن أي استغلال حزبي أو سياسي. فإلى حد الساعة نحن نراهن على كل الفعاليات السياسية وغير السياسية، وحتى إرادة الدولة، أن تتدخل لإعطاء حلول تشاركية تكون كفيلة لإعادة الاعتبار لكل صرخة طنجاوية نادت بحقها في العيش الكريم بعيدا عن أي ابتزاز داخلي أو خارجي.
المشكلة أنه في حالة لم تعط لهذا الملف أو لهذه الصرخة الشعبية حقها من الرعاية والاهتمام، فقد لا نفاجأ في قادم الأيام بصرخات أخرى ستتعدد مصادرها، كملف الصحة الذي أصبح وبالا على كل الطنجاويين، إلى درجة أصبح فيها المصاب بمرض مزمن يرفع أكفه إلى السماء طلبا للعلاج أو اللجوء إلى الطب البديل والمعشبات بدل الرقود بإحدى المصحات العمومية لتلقي العلاجات الضرورية.
حين تلج مرغما بعض المستشفيات العمومية التي تؤثث فضاء هذه المدينة “السعيدة”، يخيل إليك أنك ولجت إحدى البنايات المهجورة التي نالت منها التعرية الطبيعية والبشرية وأصبحت وكرا للمتشردين والجرذان، فبالله عليكم ألا يصح أن تلد نساؤنا في غرف مكيفة ومعقمة،ألا يحق لمرضانا أن ينعموا بالرعاية النموذجية بالمصحات العمومية؟، أو بلغة أخرى، ألم يحن الوقت ليتم التعامل معنا كمواطنين غيورين على وطنهم بدل تشييئنا واعتبارنا مثل الجرذان القاطنين بتلك البنايات المهجورة؟
وبالإضافة إلى هذا الملف الساخن القابل للاشتعال في أية لحظة، وخصوصا حين تضع المرأة الحامل حملها على “الكرانيت“ أو الإسمنت “غير المسلح“، أو حين يحتضن سرير واحد أكثر من امرأة حامل، هذا إن وجد، ستنضاف ملفات أخرى أكثر حساسية وجدلية على تلك الموجودة أصلا، كالتعليم الذي أرخى بضلاله هو الآخر على التلاميذ وأسرهم بمدينة البوغاز، وما الوقفات الاحتجاجية التي تعرفها نيابة التعليم بطنجة أمام أبواب المؤسسات التعليمية احتجاجا على الخصاص المهول في الأطر التربوية، وحتى الأطر التربوية نفسها، تسجل هي الأخرى موقفا في هذا الموضوع، لدليل قاطع على تدني مستوى التعليم ببلادنا و مدى حجم المشاكل التي تتخبط فيها المنظومة التربوية برمتها.
إن ملف الجريمة المنظمة التي بدأت تعرفها مدينة طنجة مؤخرا أصبحت هي الأخرى تستدعي وقفة شعبية بطولية وإرادة سياسية، مع العلم أن بعض المسؤولين الذين يحسبون على طنجة لم يعيروا لهذا الموضوع، الذي يهدد أمن السكان، أية أهمية، ضاربين بذلك عرض الحائط شكايات السكان ومعاناتهم اليومية.
أمام هذا الوضع الكارثي الذي أصبحت تعيشه “طنجة الكبرى” على جميع المستويات، نرجو من كل متدخل في الشأن المحلي لمدينة طنجة وحتى الحكومي أن يبذل قصارى جهده لنكون عند مستوى الحدث الذي تبناه جلالتنا الملك محمد السادس، ألا وهو جعل طنجة كبرى في اقتصادها وثقافتها وسياستها وأمنها، بدل أن تكون كبرى في جرائمها ومشاكلها الاجتماعية وصراعاتها السياسية.
في الختام نسأل العلي القدير أن يجنب بلادنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.