أشيع، مؤخرا، أن المغرب عبـَّر علنا عن دعمه لاستقلال منطقة القبايل الأمازيغية في الجزائر. جاء ذلك ضمن كلمة المغرب في الذكرى السبعين لإنشاء هيئة الأمم المتحدة. قد يقول قائل: وما المانع في ذلك مادام الأمر يتعلق بحق الشعوب في تقرير مصيرها؟

حسب ما يتداوله المبحرون في العالم الافتراضي، يمكن تمييز رأيين: رأي مؤيد لموقف المغرب، ليس حبا في استقلال أمازيغ القبايل عن النظام العسكري، وإنما نكاية في هذا النظام الذي يدعم ماليا ودبلوماسيا طروحات «البوليساريو» التي تدعو إلى استقلال الصحراء، وذلك أيضا في إطار حق الشعوب في تقرير مصيرها. الرأي الآخر يعارض، على اعتبار أن المغرب كان عليه، أولا، أن يمنح أمازيغ المغرب حقوقهم، قبل أن يدعم حقوقهم على أرض ليست أرضه.

يبدو لي أن هذه الشطحة الدبلوماسية «حق أريد به باطل»، وأنها جاءت في سياق يجعلها كذبة غير بريئة.

توقيتها، أيضا، غير مناسب لكونها جاءت أيام قليلة قبل احتفالات المغرب بالذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء، مما يوحي بأنها مجرد ورقة يريد الماسكون بملف قضية الصحراء رميها على طاولة الصراع الذي تمطط على مدى عقود. وقد توضحت ملامح الصورة أكثر مع ما أعاد الملك محمد السادس إعلانه في خطاب العيون (6 نونبر) من أن المغرب لن يقدم أكثر مما قدمه بخصوص هذا الملف. قد يكون الوعاء المالي الضخم المخصص لتنمية الأقاليم الصحراوية إحدى الأوراق الرابحة في كسب قلوب الصحراويين، لكن ملف دعم الأمازيغ في مطلبهم الاستقلالي، بغض النظر عما إذا كان هذا المطلب في جوهره عادلا أم لا، هي ورقة خاسرة بكل تأكيد.

الوجه الآخر لهذه الورقة نفسها يمكن للجزائر بدورها أن تستغله ضد المغرب إن عاجلا أو آجلا. ولا يخفى على أحد أن مطالب الاستقلال في المغرب أو الاستقلال الذاتي أو «الأوطونوميا»، لم تعد غريبة عن تحركات نشطاء أمازيغ، وخاصة في الريف وسوس. وقد قرأنا في بعض المواقع الإلكترونية أخبارا غير مؤكدة، تقول إن الجزائر تنشط في اتجاه التلويح بـ”ورقة” أمازيغ المغرب، لحسابها طبعا وليس حبا في الأمازيغ الذين يتعرضون لنفس الإقصاء هنا وهناك. وقرأنا، أيضا، تكذيبا من قبل نشطاء في حركة استقلال الريف لما أوردته تلك المواقع، واعتبروه تشويشا على الحركة وعلى نضالاتها. وحتى إن افترضنا جدلا أن نية النظامين رمي «ورقة» الأمازيغ فوق طاولة الصراع،

فهل يقبل الأمازيغ، بسهولة وسذاجة، بأن يكونوا مجرد ورقة يتقاذفها «الإخوة الأعداء»؟

لا يمكن للأمازيغ أن يقبلوا بهذه اللعبةِ غيرِ متقنةِ الإخراج؛ ففي المغرب تفرَّق دمُ المناطق الأمازيغية التاريخية بين القبائل، بعد التقسيم الجديد (الريف، على سبيل المثال، غاب عن الجغرافيا السياسية الجديدة وتوزع على جهتين شرقية وغربية، وانتقل مركز الريف الغربي إلى طنجة والريف الشرقي إلى وجدة)؛ كما أن الصراع في الجزائر بين الأمازيغ والنظام تحول إلى صراع ثقافي-سياسي في القبايل وصراع «طائفي» دموي في منطقة مزاب (إباضية مقابل سنة). وعلى هذا الاعتبار ودون الدخول في التفاصيل، فإنه من الصعب أن يساير عقلاء الأمازيغ في كلا البلدين دعوات أنظمة لا تعترف أصلا بحقهم في التعبير عن حقوقهم الثقافية والسياسية. ولعل تماطل المغرب في تنزيل مقتضيات دستور 2011 (على علاته) بخصوص الأمازيغية، خيرُ دليل على أن الدعم المفاجئ لأمازيغ الجزائر لا يمكن التعامل معه بجدية.

أعتقد أن المسألة لا تعدو كونها ورقة بائرة، وإن أثمرت فلن يحصد الأمازيغ منها إلا مزيدا من الأحزان.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version