الأمين الأندلسي
تمر هذه الأيام ذكرى صدور القرار المشؤوم بتنصير أو طرد آخر الأندلسيين من شبه الجزيرة الإيبيرية، حين أصدرت الملك إيزابيلا، وهي كاثوليكية متطرفة، قرارا في الرابع عشر من فبراير سنة 1502، بتجريد الأندلسيين من كل حقوقهم المعنوية والدينية والمادية.
وعلى الرغم من أن المغرب يعيش فيه حاليا أزيد من 5 ملايين مغربي من أصول أندلسية، فإن”الذكرى تمر في صمت كبير.
اهتمام منعدم
ويبدو لافتا أن الاهتمام بهذه الذكرى منعدم، سواء في وسائل الإعلام الخاصة، أو في القنوات التلفزيونية الحكومية، التي لا تعير أية برامج خاصة لهذه الذكرى البالغة الأهمية تاريخيا.
وعوض استقبال هذه الذكرى بمظاهر الأسى والحزن، نظرا لما عاناه أجداد ملايين المغاربة من قهر كبير بعد قرار 14 فبراير، إلا أن عددا ملحوظا من المغاربة يحتفلون بهذا اليوم على أنه عيد الحب، أو عيد “سان فالنتاين”، وهي واحدة من أكبر المهازل في البلاد.
وباستثناء بيان يتيم يصدره عادة باحث مغربي مهتم بالشؤون الأندلسية، فإن الذكرى مرت في صمت مطبق.
بيان يتيم
وكان بيان سابق أصدره بيان أصدره الباحث والمؤرخ في التراث المغربي الأندلسي، علي الريسوني، وصف تلك المأساة الإنسانية البشعة بأنها مناسبة للتذكير بتلك الجرائم التي تشيب لها الولدان، ومناسبة كذلك لمخاطبة الرأي العام الوطني والدولي لاستحضار مشاهد البطش والإرهاب والهمجية والبربرية ضد تلك الفئة من الموريسكيين الذين طردوا من أرضهم وأرض آبائهم وأجدادهم ظلما وعدوانا”.
ويقول البيان إن الدولة الإسبانية ملزمة حاليا ب”إعادة الاعتبار لكل أحفاد الأندلسيين وتعويضهم معنويا وأدبيا وخلقيا عما لحق أسلافهم”.
ويضيف البيان أن “مأساة الأندلس ما زالت فصول مسرحيتها السوداء مستمرة بطرق أخرى، ومنها ما يعانيه الشعب الفلسطيني منذ نكبة 1948”.
ويطالب البيان بإنشاء معهد للثقافة الأندلسية في المغرب، على أن تكون مدينة شفشاون مقرا له، وهي المدينة الوحيدة في المغرب التي يعتبر كل سكانها من الأندلسيين.
أندلسيون في كل مكان
ويتوزع الأندلسيون المغاربة على مناطق واسعة من البلاد، خصوصا بطنجة وتطوان وشفشاون في الشمال المغربي، ومرورا بالعاصمة الرباط وجارتها سلا أو مكناس ومراكش وفاس، إضافة إلى مناطق أخرى توزع فيها الأندلسيون بعد نزوحهم ولم يعد لهم فيها وجود قوي باستثناء ألقابهم العائلية، أو حتى ملامحهم التي تشي بأصولهم الإيبيرية.
وفي إسبانيا، عادة ما يكون الاهتمام الإعلامي بهذه الذكرى متواضعا، مع أنه أفضل من الاهتمام الإعلامي المغربي، حيث تصدر مقالات في صحف هامة وأخرى مغمورة تتحدث عن ذلك التاريخ الذي يبدو بعيدا، والذي كان حدا فاصلا في تاريخ إسبانيا، الذي يؤرخ لواحدة من أسوأ المجازر العرقية والدينية في تاريخ العالم.
كما تعلن عدد من دور النشر الإسبانية عن إصدار كتب جديدة تتحدث عن تاريخ الأقلية الموريسكية بعد سقوط الحكم الإسلامي الذي استمر أزيد من 8 قرون.
أندلسيو شمال إفريقيا
وتشير كلمة موريسكي إلى الأندلسي المسلم الذي عاش تحت حكم الملوك الكاثوليك بعد سقوط غرناطة سنة 1492، وهي آخر قلاع الأندلس.
وقررت دار النشر المعروفة باسم “بروميرا” نشر كتب حول المأساة الموريسكية لمؤرخين وباحثين إسبان، بينهم المؤرخ فرانسيسك جيسبير، وإيبان ميرا، وهما كتابات يتحدثان عن مرور أربعة قرون على آخر عملية طرد للموريسكيين التي استمرت ما بين 1609 و1614.
وتعيش حاليا أكبر نسبة من الأندلسيين في شمال إفريقيا، موزعين على المغرب والجزائر وتونس، حيث استوطن عدد كبير منهم هذه المنطقة بالنظر لقربها من شبه الجزيرة الإيبيرية، فيما وصل آخرون إلى ليبيا ومصر وفلسطين والشام وتركيا، وبلدان أوروبية مثل فرنسا وهولندا وإيطاليا وبريطانيا وذابوا في نسيجها الاجتماعي مع مرور القرون.
الشتات الكبير
وتشير المصادر التاريخية إلى أن الشتات الأندلسي يعتبر ظاهرة فريدة، حيث أنه يندر أن توجد قارة لا يوجد بها حاليا أحفاد الموريسكيين، خصوصا في أمريكا الشمالية والجنوبية، وهناك تركوا آثارا ثقافية ومعمارية لا تزال موجودة إلى اليوم.
وكان الأندلسيون تلقوا بعد سقوط الأندلس وعودا من الملكة إيزابيلا والملك فيرديناند، وعودا بالحفاظ على دينهم وتقاليدهم ولغتهم ولباسهم، غير أن هذه الوعود سرعان ما تم نقضها وبدأت محاكم التفتيش حملات مطاردات رهيبة في حقهم وتم إحراقهم أحياء والتنكيل بهم وأذيقوا ألوانا رهيبة من التعذيب وأجبروا على اعتناق المسيحية، رغم أن أغلبيتهم الساحقة ظلت تؤدي فروضها الإسلامية سرا وتتظاهر باعتناق المسيحية.