ليست هذه المذكرات من أجل الإثارة، بل للعبرة، وفيها دروس كثيرة، سواء للمسؤولين الذين همشوا منطقة الشمال وجعلوها مجرد بقرة حلوب، أو بالنسبة للذين دخلوا مغامرة تهريب الحشيش معتقدين أن ذلك هو الخلاص، بينما هي مصيدة حقيقية.

هذا الحوار مع مهرب سابق، تخلى اليوم نهائيا عن تلك “المهنة” بعدما عانى من أهوالها الكثير.

هو اليوم يتأمل ماضيه وذكرياته ويوجه نصيحة للآخرين مفادها أن الحشيش لا يستفيد منه سوى الكبار، وحتى أولئك الكبار لا يفلتون من المقصلة عندما تقتضي الظروف ذلك

 الحلقة الثامنة

أنت عشت أجواء وظروف الحملة الأمنية على المتهمين بتهريب الحشيش سنة 1996، ماذا تتذكر عنها؟

ليست لدي تفاصيل كثيرة عما جرى، لكني عرفت عنها بعض الأشياء. مثلا، الدرقاوي، وهو شخص معروف في منطقة “الديكي”، تم القبض عليه في نفس المنطقة حين كان يسوق سيارته بعد أن تم إيقافه في حاجز امني.

أما أحمد بونقوب، المشهور بلقب “الديب”، فإنه تم القبض عليه في عملية مثيرة، وكان رفقة شخص من سبتة، ويملك مطعما معروفا في منطقة القصر الصغير.

الدرقاوي والديب هما اللذان استأثرا باهتمام أكبر خلال الحملة الأمنية لسنة 1996، وعرفت عمليات اعتقال أفراد شبكاتهم تتبعا إعلاميا كبيرا.

هناك أمثلة كثيرة أخرى، لكني لا أملك حولها تفاصيل ولم أعشها مباشرة، بل سمعت عنها كغيري. وعموما فإن أبرز الأشخاص الذين كانوا في الواجهة في ذلك الوقت هم الديب والدرقاوي واليخلوفي وغيرهم.

هل ظهر مهربون كثيرون جدد بعد حملة 1996؟

نعم، لأنه بعد القبض على كثير من المهربين في حملة 1996، وبما أن الحشيش دائما موجود، فإنه كان لا بد من ظهور أشخاص آخرين للقيام بنفس المهمة. كان أصحاب الحشيش الأصليين يبحثون عن أي كان ليحمل لهم السلعة إلى أوروبا لأنه لا يعقل أن تبور السلعة في أيديهم، فكان أن ظهر شباب جدد قاموا بهذه المهمة، وكونوا ثروات كبيرة في زمن قياسي، خصوصا وأن ثمن الحشيش ارتفع كثيرا خلال وبعد تلك الحملة.

هناك آخرون ظهروا بعد سنة 2006. إنهم أشخاص أذكياء لأنهم لا يريدون أن يعرفهم الناس، وأملاكهم يسجلونها في الغالب في اسم زوجاتهم أو أقاربهم، كما أنهم لا يحبون المظاهر البراقة، كما كان يفعل المهربون من الجيل الأول. مثلا يمكن لمهرب من الجيل الجديد أن يركب سيارة عادية جدا، مثل ميرسيديس 190، بينما ابنته أو زوجته تقتني “كاتْ كات” من نوع “تواركْ”. إنهم يأخذون العبرة  بما جرى لسابقيهم لذلك صاروا أكثر حذرا. كثير من هؤلاء المهربين الجدد يتوفرون على عمارات وفيلات وأراضي وعشرات من رخص سيارات الأجرة. وهناك من عنده مائة رخصة لسيارات الأجرة، وأحيانا 60 أو 40 أو 20. أغلب هؤلاء لم يكونوا يملكون قبل 10 سنوات حتى ثمن ركوب طاكسي أو حافلة للمجيء إلى طنجة، وكثير من هؤلاء صنعوا ثرواتهم عن طريق الاحتيال، سواء عبر سرقة السلعة من صاحبها والادعاء بكونها سقطت في يد الأمن، أو عن طريق السرقة المباشرة، وهو ما تحدثت عنه في حلقات سابقة.

وهل هؤلاء يتعمدون التقشف حتى في لباسهم؟

طبعا، وأنا أتذكر أن المهرب الأول الذي اشتغلت معه كان يثور عندما يراني اشتريت لباسا غاليا. كان يقول لي: أنظر ماذا ألبس أنا.. لباسا رياضيا لا يساوي أكثر من 70 درهما.

هل هؤلاء المهربين الجدد دخلوا غمار السياسة، مثل الترشح للانتخابات؟

لا، إنهم فقط يدعمون ماديا مرشحين معينين عن بعد.

تصفية الحسابات والتهديدات أمر شائع في مجال التهريب. لماذا يتم ذلك؟

هناك منافسة مستعرة بين المهربين، وكل واحد يريد أن يصنع لنفسه ثروة أكثر من الآخرين، وإذا هرب أحد كمية من 200 كيلوغراما هذا اليوم، فإن منافسه يريد أن يهرّب غدا كمية مضاعفة.

أما تصفية الحسابات فهي ليست كثيرة، لكنها موجودة، وهي في الغالب تتم خلال الحملات الأمنية، حيث يدلي بعض من يتم القبض عليهم بأسماء مهربين آخرين، إما لأنهم يعترفون تحت الضغط، وإما لأنهم يعترفون للإيقاع بمنافسيهم حتى لا يبقوا وحدهم في مجال التهريب، وإما لأنهم يستعملون هذه الطريقة من الأجل الحصول على أموال.

هل يمكنك أن تعطي مثالا على الحالة الأخيرة؟

المهرب الشهير الذي اشتغلت معه سبق له أن هرب مرة خارج المغرب وأمضى حوالي 8 أيام في إسبانيا بعد أن هدده مهرب آخر بأنه سيكشف اسمه إذا لم يعطه مبلغا كبيرا من المال. هذه الحالة حضرتها شخصيا خلال حملة 1996، عندما كنت مع الباطرون وجاء عنده الشخص المذكور، وهو اسم بارز في عالم المخدرات، وطلب منه حوالي 600 مليون سنتيم، وهدده أنه إذا لم يفعل فسيذكر اسمه في التحقيقات.

رفض الباطرون وذهب إلى إسبانيا، لكنه فكر وعاد وسلم المبلغ إلى ذلك الشخص على دفعات. وأعتقد أنه دفع له في البداية حوالي 120 مليون سنتيم، ثم أكمل له الباقي. الباطرون فعل ذلك لأنه يعرف أنه إذا لم يفعل فسيتم إصدار مذكرة بحث في حقه لمجرد أن شخصا آخر ذكره في التحقيق، وسيضطر إما إلى الهرب للخارج لسنوات طويلة، أو دخول السجن.

نفس الحالة تكررت بين نفس الشخصين، عندما عاد نفس الشخص إلى الباطرون وطلب منه 500 مليون، فأجابه الباطرون بأنه مستعد للدخول إلى السجن مائة سنة ولن يدفع له فلسا واحدا. بل أكثر من ذلك، هدده بأنه إن عاد لابتزازه فإنه سيختطف أبناءه. هكذا توقفت عملية الابتزاز.

السفن العملاقة ساهمت في تهريب الحشيش عبر القارات

 

بعد اشتداد الحراسة على الشواطئ التي كانت معروفة بتهريب الحشيش، أين وكيف بدأت تتم العمليات؟

انتقلت كثير من العمليات إلى شواطئ المحيط الأطلسي، ومن بينها شاطئ أشقار. كما أن عمليات التهريب بدأت تتطور وتتم عبر يخوت فارهة يأتي أصحابها من أوروبا ويحملون الحشيش من الشواطئ المغربية.

غير أن العمليات التي لم يسمع بها كثيرون، والتي شاركت في بعضها، هي التي تكون البواخر العملاقة طرفا فيها. فكثير من سفن الشحن، التي تكون قادمة من أمكنة بعيدة، مثل آسيا أو الشرق الأوسط أو أماكن أخرى، تعبر مضيق جبل طارق وفي مخططها أن تتوقف في عرض البحر لساعة أو أكثر، وخصوصا على مقربة من مدينة سبتة، وذلك حتى لا تثير الشبهات. بعد توقفها يتم إنزال شباك معينة إلى عرض البحر ونضع فيها حزم الحشيش ويتم رفعها ثم تنطلق السفينة وكأن شيئا لم يكن. أحيانا كنا نشحن أكثر من 10 أطنان في العملية الواحدة في ثلاث أو أربع زوارق، وكل زورق به ثلاثة أو أربعة أشخاص. كانت العمليات تتم ليلا لتفادي الحراسة. أغلب هذا الحشيش كان يتجه نحو الولايات المتحدة الأمريكية أو أمريكا الجنوبية، وذلك شيء طبيعي لأن هذه البواخر الكبيرة تقطع آلاف الكيلومترات وتصل كل موانئ العالم ونادرا ما يشتبهون فيها.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version