ليست كل الأحلام متساوية، ففيها الغث والسمين، المخيف والمهدئ، العابر والمستقر، وفي أحلام كثيرة تكمن الرؤى، وحلمي هذا أعتقده رؤيا.. والله أعلم.
رأيت فيما يرى النائم وكأن السماء تحولت فجأة إلى قطب متجمد، ثم صار الجليد يذوب رويدا بينما الجبال التي ينحسر عنها الجليد تتهاوى واحدا بعد آخر وسط عاصفة ثلجية أتمنى ألا أعيشها في اليقظة مثلما عشتها في المنام.
بين الجبال الشاهقة والبحر قرية صغيرة تحطمت كل منازلها تقريبا، لكن منزلنا، في الحلم طبعا، أو في الرؤيا، بقي صامدا في وجه هذه العاصفة المتجبرة، ليس لأنه أكثر قوة من باقي المنازل، بل لأن العاصفة كانت أكثر رأفة بنا، وهي في رأفتها بنا فإنها تعكس لطف الله جل وعلا.
من بين كل منازل القرية لم تُبق العاصفة سوى على منزل وحيد هو منزلنا، والذي ظل على رأس هضبة مشرفة مباشرة على البحر، وفي المكان الذي كانت توجد فيه القرية امتدت حقول شاسعة على مرمى البصر، وهي حقول ظهرت بعد العاصفة في لمح البصر.
انقشعت السماء فإذا بالطبيعة غير الطبيعة والمنظر غير المنظر وزرقة السماء بلا نظير وامتداد البحر بلا نهاية، وكأن القدر أعطانا فرصة ثانية للحياة، فرصة مختلفة تماما عن السابق، فرصة لم يحظ بها غيرنا.. تقريبا، وكأن الله سبحانه يريد منا أن نعتبر بما حدث للآخرين ويرسم لنا طريق حياة جديدة.
بلغ الحلم، وربما الرؤيا، حدا كبيرا من الصفاء في الرؤية والإدراك، فالسماء شديدة الزرقة والأرض كثيرة الاخضرار والشاطئ بجمال فتان. وفي وسط كل هذا حدث المشهد الأكثر قوة، حين رأيت، فيما يرى النائم، طائرا يحلق بجناحيه في الفضاء، ثم التحق به طائر ثان وصارا يحلقان في تناغم مبهر تناغم الأرواح المتوأمة وكأنهما خرجا من الجنة، إلى درجة أني لم أتمالك نفسي وصرت أصيح وأصرخ من شدة الإعجاب والانبهار وأقول: إنهما من الجنة!
اقترب الطائران من نافذة منزلي فلم أتمالك نفسي وفتحت لهما فدلفا حتى اقتربا مني. الأول كان بلون أخضر مع لمسات صفراء، والثاني كان بلون أحمر. والحقيقة أن هذا الحلم الذي أبهرني لم يكن فقط بفضل محتواه ومعانيه المفترضة، بل بسبب ألوانه أيضا، فلا الأخضر أخضرا كما عهدته ولا الأحمر أحمر ولا باقي الألوان مثلما أراها في الواقع.
وفي لحظة فتح الطائر الأحمر جناحية لأرى خاتما ذهبيا مستطيلا تحت عنقه، بلون يتناغم درجة الإبهار مع ريشه الأحمر.
في ذلك الخاتم العجيب تبينت حروفا وطلاسم لا قبل لي، لا في الحلم ولا في اليقظة، بتبين مكنونها ومعانيها، لكني بعد أن زرت بيت الله الحرام بعد ذلك الحلم وتضرعت إليه سبحانه بالكشف عن مضمون الخاتم، تبينت أنها “لا إله إلا الله”.
في ثنايا ذلك الحلم العجيب حدثت نهاية أقضت مضجعي ثم ما لبثتْ أن منحتني السكينة. فقد اختفت الطيور فجأة، ثم لمحت أمي في المطبخ تعد لي ولأولادي أكلة من طيور الحمام فغضبت كل الغضب وقلت مع نفسي هل يعقل ذلك؟!
لمحت أمي الغضب في عيني فأفهمتني، دون أن تتكلم، بأنها اشترت طيورا من السوق لتعد لي طبقا ملكيا فرحا بي وبأولادي، فخطر في ذهني تفكير عجيب حول الطائرين الأخضر والأحمر، وقلت مع نفسي إن طائرين خرجا من الجنة لا يمكن أبدا أن يعيشا في هذه الدنيا الفانية لأن ذلك سيكون عذابا لهما.
هذا حلم لن أنساه أبدا، لأنه لا يمكن أن يُنسى.. ولكل أن يفسره بطريقته، لذلك أكتفي بسرده دون محاولة تفسيره، فسبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم.