عكس المنطقة الشمالية، فإن المنطقة الجنوبية التي خضعت للحماية الفرنسية، تكونت بها نخبة فرانكفونية، والذين يشكلون جماعة من الكتاب المشهورين منهم الطاهر بنجلون الذين حققوا شهرة كبيرة. لا أتفق مع الأستاذ إدريس الجبروني عندما يستشهد بالمفكر عبد الله العروي حول مسألة مغربية الأدب المغربي المكتوب باللغة الفرنسية، لأن اللغة ليست إلا وسيلة للتعبير، وأن يستعمل الطاهر بنجلون اللغة الفرنسية بدل العربية، فإن هذا لا ينقص من إدراكه للعالم المغربي ولا تنقصه الحساسية ليعكسه في أعماله، ويمكن البرهنة على أن الطاهر بنجلون هو نتاج للثقافة الاستعمارية الفرنسية، كما هو الشأن بالنسبة لسلمان رشدي للعالم البريطاني. باختصار: الاثنان معا وقعا تحت المثاقفة. غرباء عن ثقافة بلدانهم الأصلية. ولكن ماذا يمكن أن نقول عن كاتب مثل (خورخي سمبرون)؟ لا يمكننا في هذه الحالة الحديث عن مثاقفة ناتجة عن وضعية استعمارية، وإنما ببساطة عن تكوين بلغة ليست اللغة الأم كلغة الثقافة لأسباب وهي أن سمبرون عاش في المنفى مع أسرته في فرنسا بعد الحرب الأهلية الإسبانية (36-1939م) فاين يمكن وضع سمبرون . فبالإضافة أنه يكتب بالفرنسية كذلك يكتب بالإسبانية؟ أين يمكن أن نضع الجزائري رشيد بوجدرة (جائزة أحسن رواية باللغة الفرنسية سنة 1979م) والذي يكتب منذ سنة 1982م باللغة العربية؟ هل يمكننا أن نجرده من جزائريته عندما كان يكتب باللغة الفرنسية؟

ولكن إذا عدنا للحالة المغربية (في المغرب) فإن ظاهرة الإبداع عند النخبة الفرانكفونية يمكن أن نفسرها بالسياسة التي تهجتها فرنسا في منطقة حمايتها. كما قال لي الاستسباني المغربي يوسف أكمير الأستاذ بجامعة أكاد ير. إن السلطات الفرنسية في عهد الحماية انشغلت بتكوين نخبة مثقفة مغربية، ابتداء من تعليمهم اللغة الفرنسية في المرحلة الابتدائية ثم في التعليم الثانوي بثانوية ديكارت أو في ثانوية ليوطي، ليتمكنوا بعد ذلك من إتمام دراستهم بالجامعات الفرنسية في الفترة ما بين الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي.

إن أبناء العائلات البرجوازية الحضرية الين اكتسبوا تعليما نخبويا في المعاهد الفرنسية بالرباط وفاس والدار البيضاء، توجهوا بعد ذلك إلى فرنسا والذين عادوا بعد الاستقلال وهم ذوو مستوى عالي من التكوين، بحيث أسندت لهم مناصب مهمة في المغرب.

أما تعريب التعليم الذي جاء بعد عقدين فلم يحقق نجاحات، بمعنى أن المدارس الابتدائية والثانوية التي كانت لها سمعة كبيرة هي المؤسسات التي تبنت نظام التعليم الفرنسي. وهذا حدث يمكن أن نلاحظه اليوم في الطبقة الحاكمة في المغرب أغلبيتها فرانكفونية التكوين، ويجب أن نستحضر هنا إنه بالرغم من أن اللغة الرسمية هي العربية فإن الفرنسية تحتل المرتبة الثانية في الصحافة والإذاعة والتلفزيون والإدارة، بما في ذلك المنطقة الشمالية، والتي بمجرد انهيار الحدود الوهمية بينها وبين الجنوب وانتهاء عهد الحماية، وتوحدت المصالح الإدارية المغربية كلها على الصعيد الوطني، فرضت اللغة الفرنسية نفسها كذلك في منطقة الشمال.

يمكن القول عكس فرنسا، فإن اسبانيا نهجت سياسة لصالح الدراسة بالعربية، وإن أبناء الأعيان في مدينة تطوان الذين درسوا في اسبانيا، وخصوصا جامعة غرناطة عادة ما كانوا يدرسون في الشعب العلمية كالصيدلة والطب والعلوم التقنية. وبالنسبة للذين اختصوا في الآداب والعلوم الإنسانية اختاروا التوجه إلى القاهرة (مصر) تقليديا، لأن السياسة العربية لفرانكو كانت تدعم هذا الاتجاه. والنخبة المثقفة التطوانية في عهد الحماية كانت أساسا عربية التكوين، بالرغم من أنها كانت تعرف اللغة الإسبانية. وعندما جاء الاستقلال سنة 1956م نجد في المنطقة كمشه تتقن اللغة الإسبانية بشكل جيد.

وعن السؤال الذي طرحناه : هل هناك أدب مغربي مكتوب باللغة الإسبانية، وإلى أي حد يوجد أدب مغربي باللغة الإسبانية في مرحلة ما بعد الاستقلال. فإن غونثالو فيرنا نديث بارييا يعتبر أن طرح إشكالية هذا الأدب لا يعني نفي وجود كتاب مغاربة يكتبون باللغة الإسبانية، وإنما يجب أن نعرف إن كان ظاهرة تحظى في الوسط الثقافي الإسباني أو المغربي. نلح على أن الأدب يعني الإبداع الأدبي. علاوة على ما دعمناه سابقا. فيرنا ندو بارييا يعتقد على أنه” لا يمكننا الجزم بوجود إنتاج أدبي حقيقي بعد المرحلة الاستعمارية الاسبانية.” وفي رأيي إن ما يعتقده بارييا هو ما أعتقده وهو أن الأدب الحقيقي المغربي المكتوب باللغة الإسبانية سيتطور في المستقبل، ولن يكون نتاج إرث مرحلة ما بعد الاستعمار، بل سيظهر أدب مغربي جديد وأصيل بين أبناء الجالية المغربية المهاجرة في إسبانيا، هم سيكونون في المستقبل الرابط الإنساني والثقافي أكثر قوة وغنى بين الضفتين.

(*) باحثة ومؤرخة اسبانية، أنجزت أعمالا مهمة تتعلق بالمغرب، نذكر منها كتابها: (اسبانيا والريف) الصادر سنة 2000م وكتاب (مغاربة فرانكو) سنة 2005م. تهتم كثيرا بتاريخ العلاقات الإسبانية المغربية، وخصوصا الفترة المتعلقة بالحماية الإسبانية في شمال المغرب.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version