حين تنتصر دولة قوية بترسانتها العسكرية الضخمة على دولة ضعيفة في حرب غير متكافئة نقول: هذا منطقي. وحين تصمد وتنتصر لغة هذا البلد الضعيف على لغة البلد المنتصر والمستعمر سنقول من وجهة نظرنا المتواضعة: إن هذا هو المنطق عينه.
نعم لقد صمدت لغة المغرب والمغاربة في وجه الاستعمار الفرنسي. فرغم اندحار المغرب عسكريا أمام القوات الفرنسية منذ “معركة اسلي” سنة 1844م، كما أنها قامت بنهبه بناء على بنود “معاهدة الحماية“ التي وقعت سنة 1912م، أضف إلى ذلك كله صدور“الظهيرالبربري” سنة 1930م، الذي رافقته موجة عارمة من الاحتجاج والصمود والاستنكار.
إلا أن هاجس المستعمر الفرنسي للسيطرة على المغرب سياسيا وثقافيا ودينيا بقي أمرا معلقا ما لم ينل ولن ينل من لغة المغاربة – اللغة العربية – التي تعبر تعبيرا صادقا عن هويتهم المشتركة ووحدتهم الوطنية.
وعلى ذكر الظهير البربري، فقد كانت أهدافه واضحة للعيان “كوضوح الشمس فنْهار جميل.. واضح أو باين“ لأن الفرنسيين راهنوا عليه من أجل تفكيك النسيج المجتمعي للمغاربة وضرب هويتهم عرض الحائط، وخصوصا اللغة العربية. ورغم ذلك فشلوا في مسعاهم، لأن المغاربة برهنوا، وبالملموس، على مدى تشبثهم بأرضهم وثقافتهم ودينهم، من خلال إقبارهم لهذا المخطط الجهنمي في مهده، وكان هذا بمثابة رسالة غير مشفرة أرسلت للمستعمر تحت عنوان “الهوية المغربية لا تقبل أبدا التقسيم“، وبالتالي فشل طموح الفرنسيين في محاولة منه فرنسة المجتمع المغربي.
إذا كان المستعمر زحف إلى المغرب بجهازه العسكري المتطور، وقيمه الحضارية واللغوية للتأثير على أبناء هذا الوطن واستكمال مشروعه الاستعماري، فإنه بالمقابل وجد نفسه في صراع مرير مع لغة المغاربة، لأنه استطاع الإجهاز على كل مقومات هذا البلد الضعيف، لكنه اصطدم في الأخير بالهوية المغربية غير قابلة للاحتواء ولا للتجزئة. فالفضل كل الفضل يرجع للغة العربية التي استند إليها علماؤنا ومؤرخونا ومثقفونا لفضح نوايا المستعمر، أمثال المختار السوسي وعلال الفاسي وعبد الخالق الطريس وعبد الله كنون والقائمة طويلة ….
فطوبى لمن سخر هذه اللغة لخدمة الدين والوطن.