بين الفن و السياسة فج عميق، السياسة لا تفرح هي تقريبا مليئة بالهموم و الهواجس و الفن لغة أخرى تعرف لحن الجمال و الرقي، حين ينتصر الفرح على كل هموم السياسة و أحوال البلد العصية على الهضم فتلك حكمة أخرى، في حفل كات ستيفنس انتصار حقيقي للفرح و للحيا ة .
في أغاني كات أو يوسف بعد إسلامه ، شحنة قوية من المتعة و الحنين الجميل لأيام الفن الراقي، حين يجتمع عشاق الفن حول عظمة فنان و يتجاهلوا غضب الشارع على السياسيين و ينخرطوا في الفرح و لاشيء غير الفرح ليقبلوا على الحياة، ندرك كم هي عجيبة هذه الدنيا، تساءلت في خضم فرحة الجمهور الغفير الذي حج للاستماع بفن كات ستيفنس كيف يمكن أن تقبل على الفن وسط أخبار العصا و دماء شبان خرجوا بالأمس للشارع يصرخون و يطالبون في حقهم بالتظاهر، كيف نرقص على إيقاع الضرب و الاحتجاج الذي اكتسح الساحات و الشوارع ومواقع الأخبار؟لعلنا نهرب للفن لأنه يصنع أمان لحظات و يمسح غم الأمة، توالت في أعيني صور المعاناة الفلسطنييين خاصة، كنت أتساءل مرارا حينما أرى أناقة حنان عشراوي أو صيحة أم فلسطينية و هي لا تزال تحافظ على أناقتها و أنوثتها وجمالها في قلب الدمار، كيف تصر الفلسطينيات أو حتى اللبنانيات أن يتحدثن عن الحرب والهم و الكدر وهن متوهجات بأناقتهن و لمستهن الأنثوية العالية .
بعض الجواب أجده في خضم تجربة موجات التغيير و غليان الشارع العربي عامة، أكيدأنه الإصرار على الحياة حين نقترب من الأزمات أكثر، حينما نستشعر الهم نقبل على الفرح وندرك قيمة الأشياء حولنا، جرعة الفرح تغطي دائما على جرعات الهم، كات ستيفانس كان فوق الخشبة رجل محبة و سلام حقيقي نقل بالفن وعبر الفن حبه واستسلامه لدين محمد عليه الصلاة والسلام، وأرسل بعزفه و غنائه رسالة إنسانية تضع الجميع في وفاق تام، رسالة لا يتقنها أهل السياسة بعد، إنها إيقاعات الحياة التي تعزف على وتر القلب ولاشيء غير القلب. أحببنا كات ستيفانس أكثر و أحببنا معه ديننا أكثر وأكثر. المحبة تفند كل التأويلات وتفسح مجالا لسلام راسخ .
كم من الساسة الدين يصنعون فرح الأمة؟ نحتاج إلى سياسيين نجوم يصنعون الحدث و تتآلف حولهم جماهير بحالها لتردد لحن المحبة لكل الناس. السياسيون يحتاجون لبرهان قوي ليتحدثوا أمام الجماهير ويحظون بالتهليل والمباركة ، نريد أن نحب السياسيين بقدر حبنا للفنانين، فلتمنحونا متعة الحياة لنحبكم. أيها السياسيون عجلوا لتقدموا دليل حبكم لنا ولوطنكم بالانجازات العملية و التضحية لتستحقوا الانتماء إلى قلوبنا.
انظروا إلى يوسف إسلام كيف أمتع الناس وجمع المال ثم تركه للفقراء واليتامى.. إنه لا يريد شيئا، فقد تصرف كمسلم حقيقي. هل ننتظر سياسيا عندنا أن يفعل ما فعل هدا الفنان الورع؟
ربما.. في زمن ما..!