عندما بدأ المغرب في تسوية وضعية عدد من المهاجرين الأفارقة في البلاد، أحس بعض الناس بما يشبه المفاجأة، وكأن إفريقيا بعيدة جدا عنا، أو كأننا بلد لا نعرف معنى الهجرة.

المغرب صدر الملايين من يده العاملة نحو الخارج منذ عشرات السنين، وهم الذين لا يزالون يمدون خزينة الدولة بتحويلاتهم التي لا غنى للاقتصاد المغربي عنها، حتى وإن انخفضت أرقام التحويلات بين الفينة والأخرى.

والمغرب الذي عاش على نعمة الهجرة وقتا طويلا، لابد أن يدرك نعمة الهجرة على غيره، وهذا هو الامتحان الذي نجتازه مع المهاجرين الأفارقة الذين كانوا يطمحون إلى استعمال المغرب كقنطرة عبور، فصار بلدا للاستقرار وتحقيق الأحلام، أو على الأقل جزءا من الأحلام.

أن يتحول المغرب من مصدر للهجرة إلى مستقبل لها فهذا في حد ذاته مؤشر اقتصادي إيجابي، لكننا لا ينبغي أن نفرط في التفاؤل ونتوهم أننا وصلنا إلى مصاف البلدان المستقبلة للمهاجرين، لذلك علينا أن نتصرف بحذر وتعقل، وأن تكون عملية تسوية وضعية المهاجرين الأفارقة مدروسة وممنهجة.

أوربا تقول اليوم إنه لا حاجة لها بالمهاجرين الأفارقة، ويبدو أن أزمتها الاقتصادية ستطول إذا استمرت في هذا الاعتقاد، لأنه في الوقت الذي كانت القارة العجوز تعتبر المهاجرين الأفاقة أيد عاملة فاعلة ونشيطة وتمنحهم حقوق المواطنة كاملة، آنذاك كان اقتصادها بألف خير، وعندما صارت تبني الأسوار حول حدودها وتلفظ المهاجرين فإن اقتصادها سار شيئا فشيئا نحو الهاوية.

قليلون انتبهوا إلى أن الأزمة الاقتصادية الأوربية بدأت منذ سنوات وليس اليوم، أي منذ ذلك الوقت الذي تحولت فيه ورقة الهجرة إلى عملة سياسية رابحة، فصارت مختلف الأحزاب تستخدم الهجرة كمطية للوصول إلى البرلمان والحكومة، وتحول المهاجرون إلى مجرد منحرفين تطاردهم الشرطة، وعوض إشراكهم في بناء الاقتصاد فقد تم بترهم من المجتمع الغربي، فحصل ما حصل.

نحن في المغرب، عندما ننظر بتفاؤل لتسوية وضعية المهاجرين الأفارقة، فيجب ألا ننسى أن إفريقيا ليست بعيدة، بل نحن أفارقة في التاريخ والجغرافيا وأشياء كثيرة أخرى، وعندما نعود إلى التاريخ فسنجد أن إفريقيا أثرت في تاريخنا بشكل كبير جدا، وعندما نبحث في الأنتربولوجيا فسنجد أن نسبة مهمة من المغاربة لهم أصول إفريقية واضحة المعالم.

لكل هذه الأسباب كان من الضروري أن يكون المغرب هو المبادر إلى هذه الالتفاتة التي تعكس عمقه الإفريقي ونضجه الحضاري، لكن هناك تقاعس غير مفهوم من جانب الأحزاب وهيئات المجتمع المدني التي لم تبد أي رد فعل حول هذا الموضوع وكأن تسوية وضعية هؤلاء المهاجرين تم رغم أنفها.

إفريقيا لم تكن يوما ما معزولة عنا، إنها عمقنا الاستراتيجي وجزء مهم من تاريخنا ومستقبل اقتصادنا، ولو أننا أدركنا هذا المعطى بشكل مبكر لما كان لمشكلة الصحراء أي وجود.

في قلب هذه العملية، عملية تسوية وضعية المهاجرين الأفارقة، توجد طنجة في قلب الموضوع، فهي المحطة الأخيرة لهؤلاء نحو أوربا، وحين يقرر المهاجرون الأفارقة البقاء فيها، طوعا أو جبرا، فهذا يعني أننا يجب أن نمد لهم يد المساعدة من أجل التفاعل والاندماج، أما إن بقينا ننظر إليهم كمشبوهين وبائعي مخدرات وممتهنات دعارة ومتسولين فهذا لن يزيد سوى في مزيد من الارتباك مع أنفسنا ومعهم.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version