الطريق من بيتنا من “حومة برْجيكا” إلى ثانوية مولاي رشيد طويل، لكني لم أشعر به يوما وأنا أرافق زميلاتي إلى الثانوية.

كنا نمضي جماعات نتبادل أطراف الحديث إلى أن نفترق عند باب المدرسة. في الطريق كنت ألتقي عمر أوشن.. نجم الثانوية. كان طالبا نجيبا حشّوميا، وكذلك صديقه الخطابي الذي كان شابا مهذبا أنيقا ومميزا.

لم تكن لي بعمر علاقة كبيرة، كنا نتقاسم نفس الطريق أحيانا ونسلم من بعيد. عمر كان يبدو خجولا منعزلا يمشي مسرعا نحو الهدف… مقاعد الدراسة في مولاي رشيد.

عمر كان يسبقني بعام دراسي واحد وكانت تصلنا أصداء نبوغه الأدبي والخطابي. كنا ندرس الأدب عند الأستاذ الحوْلاني، الذي حبب إلينا التحليل البنيوي والتعامل مع النصوص الأدبية بود وانسجام.

في مولاي رشيد أطياف من التلاميذ والأساتذة الذين كانوا علامة في مسار الثانوية. كان هناك أساتذة نجوم وطلاب نجوم أيضا. تحضرني صورة أنيقة لأستاذة الفرنسية، كوركي. إنها شخصية فريدة تعتني جدا بمظهرها وكانت نجمة “الزّازْ” بامتياز.

لا أنسى أستاذة الرياضيات المنبهي، التي كنا نتتبعها بأعيننا الفضولية حين يمر زوجها “البوكوسْ” لأخذها. كان فارع الطول أشقر بشارب ظاهر وينتظرها باستمرار أمام باب مدرسة المعلمين المجاور للثانوية.. يحضنها ويمشيان معا في وئام كبير. ويبدو أن عيوننا المعجبة “بالكوبْل” الجميل أصابت الرجل وأصيب فجأة بالداء الخبيث فانتهى زمن الحب الكبير وكانت مأساة الأستاذة الشابة لا مثيل لها.

كنا نحب حصة التاريخ والجغرافيا مع الأستاذ البُوراكي، رحمه الله. لم يكن أستاذا يشبه باقي الأساتذة. كان فنانا ولطيفا لدرجة تجعله يفقد سيطرته على الدرس.

 أفضل أوقاتنا تلك التي كنا نقضيها للتحضير لبعض النشاطات المدرسة الفنية. أتذكر أني لأول مرة أتشجع أمام أستاذ وأغني. كنت، وزميلتي عواطف فجاج، نحب الغناء، وكان أستاذنا معجبا بموهبتنا شخصيا. خذلته ولم أتمكن من أداء أغنية فيروز عن القدس. غضب كثيرا لكن الغناء أمام جمهور المدرسة كان بالنسبة لي أمرا مستحيلا.

لا يفوتني ذكر الأستاذ الوهابي، هذا الأستاذ الجبلي الصافي حبب لي الرياضيات التي كنت أكرهها عن ظهر قلب، لكنه فعلا أستاذ يملك من النية الطيبة والموهبة الكبيرة في التدريس مالا يملكه العلماء الكبار.

أتذكر جميلات المدرسة.. أرارو وسلوى كنون وبنات أخريات كانت لهن شعبية كبيرة.. خاصة سعاد، تلك الفتاة الطويلة البيضاء بشعر جميل أسود. كانت نجمة بجمالها، وأيضا لكونها خطيبة عمر سليم، نجم ميدي 1 آنذاك.

أما الفتاة “العشاق”، التي لا أذكر اسمها الشخصي، فمازال يبهرني مرحها ولطفها. لم تكن نجيبة لكنها استحوذت على قلب أستاذ الانجليزية القادم من الجنوب وتزوجته. كانت لها عيون المها وتبرع في وضع كحل لا يفارق مقلتيها، وأخمن اليوم أن سحرها كان كله في لغة عينيها الواسعتين.

التقيت أيضا منذ شهور أمينة بوشواطة، ابنة حي السواني، التي كانت تشاركنا طريق المدرسة وصفوفها. كان الجميع يحبها للطفها ومزاجها الطفولي المجنون وابتساماتها التي لا تبخل بها. كانت تحب الرقص وجسد رشيق ويتمايل باستمرار على إيقاع كعبها العالي. لم تتم دراستها لكني لمست عند لقائها أنها امرأة سعيدة ولها خمس أبناء، ولا تزال نفس الابتسامة تشرق على محياها ..عجيبة حيوات الناس.

أعرف تلميذات نجيبات آنذاك لم يصلن إلى المكانة التي كن يستحقنها لظروف العائلات المتشددة في التعامل مع البنات، أو لسوء الحظ، أو فقط لغياب تلك النغمة الداخلية للتعامل مع الحياة كما كانت ولازالت تفعل أمينة الرشيقة والعشاق الساحرة.

ما تبقى لي من مدرسة مولاي رشيد صديقي عمر أوشن، الذي يقول لي دائما يجب أن نعود إلى طنجة لأن الرباط ماعْطاتنا والو.

وطبعا لا أنسى صديقي عبد الله الدامون، الذي التقيته بعد عقد ونيف في جريدة “الشرق الأوسط” بالرباط، وعرفت أنه أيضا خريج عالم  ثانوية “مولاي رشيد”، وتبادلنا آنذاك، وهو زميلي في المهنة، ذكريات وجوه كثيرة، أولهم الزرداوي، المسؤول عن منحنا ورقة الدخول بعد غياب.

الدامون عاد إلى طنجة بشكل غير متوقع حين كان يستعد للرحيل نحو قناة “الجزيرة”، ثم صار متنقلا بين المدن، وعمر وأنا ربطتنا الرباط. ومن يدري لعل نبوءة أوشن تتحقق ونعود ذات يوم لنسكن ذكرياتنا وحياة ماضية ترفرف في الوجدان.

سلام عليك طنجة.

شاركها.

تعليقان

  1. عبدالرحيم تلميذ سابق بمولاي رشيد on

    تكلفت عناء قراءة المقال فإذا بي أجده مجرد خواطر رومانسية لا علاقة لها بمقال تمنيت لو أن الاستاذة كلفت نفسها عناء صياغة مقال يتضمن ملاحظات حول الأداء التربوي للأساتذة أو تناقش إشكالية المستوى الضعيف للمتعلمين أو تحديات التفوق الدراسي رغم أن ثانوية مولاي رشيد توجد بقلب مدينة طنجة وأحد أقدم الثانويات بالمدينة..

  2. ادهيبة أمين تلميذ سابق بمولاي رشيد on

    مقال جميل عن خواطر وذكريات الدراسة في ثانوية مولاي رشيد

اترك تعليقاً

Exit mobile version