مع اقتراب موعد كل كلاسيكو، تستعر المناقرات والنقاشات بين أنصار قطبي كرة القدم الإسبانية والعالمية، برشلونة وريال مدريد، ويشحذ كل طرف أسلحته الكلامية للدخول في مناظرات ذات جبهات متعددة.
فهناك من يستدعي التاريخ ليثبت أفضلية فريقه التاريخية، وآخر يستشهد بالحاضر، طاويا التاريخ، ليؤكد علو كعب فريقه، وآخر يختار مستوى آخر للنقاش، مفتخرا بالنجوم التي سطعت في هذا الفريق أو ذاك، وطريقة اللعب ومدى فعالية أكاديميتي الفريقين في إنجاب العناصر اللازمة، وهكذا…
إلا أن واحدا من الخلافات التي دوما ما تثار بين أنصار قطبي كلاسيكو الأرض، هي النتائج المدوية التي حققها فريق على الآخر. ورغم كثرة النتائج العريضة لكلا الفريقين عبر أكثر من 100 سنة من المنافسة والندية، إلا أن نتيجة مقابلة بعينها استأثرت بحصة الأسد من الجدال بين أنصار الفريقين، وهي نتيجة الفوز بـ 11 هدافا لأبناء العاصمة مقابل هدف وحيد لممثل كتالونيا.
فذلكة تاريخية
أربع سنوات بعد أن وضعت الحرب الأهلية في إسبانيا أوزراها، واستتباب أمر الحكم في يد الجنرال فرانكو، استأنف النشاط الرياضي في البلاد، وبدأت الحياة تعود تدريجيا إلى ملاعب كرة القدم، التي هجرها أهلها بسبب الحرب، وأوقعت قرعة كأس إسبانيا، التي كانت تسمى قبل ذلك كأس الملك، برشلونة وريال مدريد في مواجهة مباشرة برسم الدور نصف النهائي، وحقق برشلونة فوزا بثلاثية نظيفة في مباراة الذهاب.
ثلاثية الذهاب تجاوزها التاريخ بعد ما جرى في مباراة الإياب، التي خلد ذكرها في ذاكرة عشاق الفريقين، بين من يتباهى بفوز ماحق للفريق الأبيض بعثر فيه كبرياء كتالونيا، بما تحمله الكلمة من معان سياسية في تلك الفترة، وبين من يرى فيها العار لمدريد ولمن كان يحكم آنذاك، بعد أن تجاوز الأمر أصول اللعب النظيف إلى أشياء لا تمت للمنافسة الشريفة بصلة.
الرواية الكتالونية
يرتكز الكتالونيون في دفعهم على راويتين لا تختلفان إلا في بعض التفاصيل البسيطة، تتلخصان في أن الشوط الأول انتهى بتعادل إيجابي بهدف لمثله، (الرواية الأخرى تقول أن الشوط الأول انتهى بتقدم برشلونة بهدف نظيف)، إلا أنه بعد دخول اللاعبين لغرفة تبديل الملابس داهمتهم الشرطة، وهددتهم بالاعتداء عليهم إذا لم يخسروا اللقاء، مما جعل بعض اللاعبين يرفضون استكمال المباراة، فأرغموا على دخول أرضية الملعب ولعب الشوط الثاني، والرضوخ لضغوط شرطة مدريد، حيث لعبوا بتساهل، لينتهي اللقاء بنتيجة تاريخية .. 11-1.
الرواية البيضاء
نادي مدريد “Madrid f.c”، كان هذا اسم ريال مدريد بعد سقوط الملكية ووصول الجمهوريين إلى الحكم، وكان يمثل رمزا لقيم الجمهورية الناشئة، خاصة إذا كان الخصم هو البارصا، رمز المتمردين المهزومين في الحرب الأهلية. وبعد الهزيمة بثلاثية نظيفة، انتفض الجمهوريون لشحن الإعلام والجماهير من أجل جعل ملعب شمارتين (ملعب ريال مدريد القديم) جحيما على أبناء كتالونيا.
دخل برشلونة المباراة في بيئة معادية، وصمد إلى حدود الدقيقة الثلاثين، قبل أن يبدأ الانهيار الكبير، ويدك مدريد حصون الكتالونيين بثمانية أهداف نظيفة في نهاية الشوط الأول.
بعد دخول لاعبي برشلونة إلى غرف تغيير الملابس رفضوا استكمال المباراة، في ظل الجو المتوتر في الملعب والنتيجة الثقيلة في الشوط الأول، إلا أن المسؤولين رفضوا ذلك وعاد اللاعبون إلى أرضية الملعب، لتكون النهاية المعلومة.
“الراوي” علة خبر
يقال في الصحافة إن علة الخبر في راويه، والأمر نفسه ينطبق على التاريخ، فبين روايات الكتالونيين وعشاق الميرينغي لما حصل في تلك المباراة حجج وبراهين يتمترس خلفها أنصار كل فريق، مدعيا أنها الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
أحد تلك الحجج هي مقطع فيديو لأحد لاعبي برشلونة آنذاك، جوزيف باليس، يتحدث عن تلك المقابلة، مؤكدا ما يتدواله الكتالونيون من تدخل الشرطة للضغط عليهم من أجل خسارة اللقاء.
ولكن عشاق البلانكو أيضا لا يعدمون وسائل الإثبات، ولا تقل حججهم قوة عن نظرائهم الكتالونيين، حيث تفيد صور من أرشيف صحيفة إلموندو ديبورتيفو الكتالونية الهوى، أن الشوط الأول انتهى بثمانية أهداف نظيفة، بما يتوافق مع رواية المدريديستا. ناهيك عن صحف الماركا والآس المحسوبتين على مدريد.
ويذهب أنصار برشلونة إلى مصدر آخر لإثبات عدم شرعية النتيجة، من خلال مقال منشور على موقع الاتحاد الدولي، يؤكد الرواية الكتالونية، ويرد عليهم المدريديون بأن ما ذكر في موقع الفيفا هو عبارة عن مقال رأي لكاتب كتالوني طلبت منه الفيفا صياغته بمناسبة مئوية برشلونة سنة 1999، وبالتالي فليس الأمر اعترافا رسميا من الفيفا، حيث تم حذف المقال بعد ذلك.
ويؤكد أنصار الريال أن ليس هناك ما يؤكد أو يثبت أن الفيفا لم يعتمد نتيجة 11-1 واعتمد نتيجة 1-1، مشيرين في الوقت ذاته أن ليس من شأن الفيفا اعتماد نتائج الفرق أو إلغاؤها، بل ينحصر دور الفيفا في مثل هذه الحالات في إلغاء المباراة أو اعتماد نتيجتها النهائية.
المواقف الرسمية للقطبين
بعيدا عن صخب الجماهير وحماسها غير المحسوب، ينأى القطبان بنفسيها عن خوض هذا الجدال، حيث يشيران إليه إشارات خفيفة دون الخوض في التفاصيل، وحتى برشلونة على موقعه الإلكتروني يذكر نتيجة 11-1 دون الحديث عن تفاصيل اللقاء أو مؤامرة بعد تدخل الشرطة، وهذا رابط لمشاهدة المقال على موقع برشلونة الرسمي.
أيضا صحيفة إلموندو ديبورتيفو الكتالونية لم تتحرج من ذكر نتيجة 11-1 قبل سنتين، عندما التقى الفريقان في نصف نهاية كأس ملك إسبانيا، وهو اللقاء الذي انتهى بتأهل برشلونة إلى النهائي.
فرانكو رمانة الميزان في الصراع
وبين حجج هذا وذاك، نسي العالم أن يسأل عن فارس تلك البطولة، فحديث الكلاسيكو تتوارى خلفه البطولات والكؤوس، حيث أن هذا الصراع المعمر حول نزاهة نتيجة تلك المباراة المشهودة نسي أن يذكر أن أتليتك بيلباو هو من فاز بذلك اللقب، بعد أن انتصر في النهائي بهدف لصفر.
وهو الأمر الذي يستشهد به أنصار ريال مدريد، من خلال سؤال استنكاري على النحو التالي: إذا كان فرانكو قد تدخل من أجل ترجيح كفة فريقه (ريال مدريد) أمام برشلونة، وهو الديكتاتور، فلماذا لم يتدخل لينتصر فريقه على ممثل إقليم الباسك المتمرد أيضا؟