انتهت زيارة الملك محمد السادس لطنجة، وانتهت معها سلسلة من التدشينات الجديدة بعدد من مناطق المدينة، وهي تدشينات وإن كانت كثيرة وشاملة لعدد كبير من المجالات، إلا أنها كانت متوقعة في إطار برنامج “طنجة الكبرى”، الذي يوصف بأنه قادر على تغيير وجه المدينة.

غير أن الزيارة عرفت أيضا أمورا غير متوقعة، وأخرى طال انتظارها حتى فقد الناس الأمل في إنجازها، وهو ما جعل الزيارة هذه المرة، تستحق فعلا وصف “الزيارة غير المسبوقة”.

زيارة مناطق حساسة ببني مكادة

ربما كان من الصعب التخيل في وقت من الأوقات، أن يزور مسؤول حكومي كبير، غير المسؤولين الأمنيين طبعا، منطقة بني مكادة، بُعيد أيام من عودة التوتر بين سكانها وبين “المخزن”، فأحرى أن يزورها الملك في هذه الظرفية، الأمر الذي جعل من زيارة الملك محمد السادس لها، أمرا مفاجأ وذا إشارات عديدة.

بني مكادة قبيل الزيارة الملكية

لقد سبق للملك أن زار بني مكادة، لكن اختلاف هذه الزيارة عن سابقتها يتجلى في أمرين اثنين، الأول، أنها تأتي بعد أيام قليلة من مواجهات عنيفة بين الأمن وفئة من سكان المنطقة، والثاني، هو كون الملك اختار أن ينأى بالزيارة عن البروتوكولات الرسمية، وأن تمر سيارته التي فاجأت السكان، من وسط أحياء كأرض الدولة وبئر الشعيري.

زيارة الملك لبني مكادة تجعل الطنجيين يتساءلون “هل ستشهل العلاقة المتشنجة بين المنطقة والسلطة انفراجة حاسمة؟” و”هل ستنتهي مظاهر العنف والعنف المضاد من المنطقة؟” الأيام القادمة كفيلة بالإجابة عن هذا السؤال.

اللقاء بالفزازي

منذ 2003 عرفت علاقة القصر بالتيار الإسلامي، والسلفي خاصة تشنجا كبيرا، لكن أحدا لم يكن يتوقع أنها ستعرف انفراجة في يوم من الأيام، إلى أن جاء حراك 20 فبراير 2011، وما تلاه من متغييرات اختلف المتابعون في تقييمها، لكن هذه المتغيرات حملت معها أولى إشارات التطبيع بين الدولة والسلفيين، عندما أطلق سراح محمد الفزازي بعفو ملكي، بعد 8 سنوات من السجن.

الفزازي أثناء حديثه للملك

بعد 3 سنوات من ذلك، صار واضح أن السلفية أضحت سلفيات، وأن نسبة التطبيع مع هذا التيار اختلفت بين الدولة والنخب والأوساط الشعبية، لكن علاقة القصر بها ظلت عصية على التقييم، ما جعل خطبة الفزازي للملك في صلاة الجمعة بمسجد طارق بن زياد بطنجة، حدثا سياسيا بامتياز.

بدا الملك وكأنه يفتح ذراعيه لتيار صعب على جل الأنظمة العربية ترويضه طيلة عقود، لكن ليس بالإطلاق التام، فالملك فتح ذراعيه للفزازي تحديدا، أي للشيخ السلفي الذي تغير كثيرا داخل السجن، الشيخ الذي كان يصف القناة الثانية بالملحدة، فحل بعد 11 سنة ضيفا على أحد برامجها، الشيخ الذي لم يعد يرى ضررا في مجالسة العلمانيين دون تكفيرهم، وفي التقاط صور مع الفنانين… ما يجعل السؤال يفرض نفسه: هل سيلتقي الملك يوما ما بأبي حفص أو الكتاني أو الحدوشي، أم أنه سيكتفي بلقائه بالفزازي؟

هل تزول اللعنة عن مستشفى محمد الخامس؟

هو رمز الفساد الصحي بالمدينة، وهو المكان الذي تحول من رمز الحياة الجديدة إلى رمز الموت السريع، مستشفى محمد الخامس، ذاك المكان الذي كان تغيير واقعه بمثالة حلم غير قابل للتحقق بالنسبة للطنجيين، هو اليوم محط برنامج تأهيلي أطلقه الملك، كفيل، في حال تحققه طبعا، بجعل واقع الصحة في المدينة يتغير نحو الأفضل، ولو نسبيا.

مستشفى محمد الخامس

مشروع إعادة تأهيل مستشفى محمد الخامس، خصص له استثمار بقيمة 60 مليون درهم، ويشمل بناء مصلحة جديدة للمستعجلات، التي تعد النقطة السوداء الأولى بالمستشفى، بالإضافة لتوسيع مصلحتي التوليد والجراحة، واقتناء معدات طبية حديثة، وإعادة تهيئة الفضاءات الداخلية للمستشفى، كل ذلك من شأنه أن يغير كثيرا من الأمور في مكان يحتاج فعلا للإصلاح الجدي.

معالم سترمم أخيرا

لم يكن المسؤولون الذين تعاقبوا على طنجة، يعون أن تجاهل تاريخها يشوه حاضرها وقد يجعلها بلا مستقبل، فكان أن تركوا مآثرها ومعالمها الطبيعية عرضة للضياع، حتى أن السكان شرعوا في توديع الكثير منها، فقد يستيقظون ذات صباح حزين فلا يجدونها.

وحتى حينما حمل برنامج “طنجة الكبرى” مشاريع لترميم بعض من تلك الآثار، ظل تنفيذه محل شك، إلى أن أشرف الملك فعليا على مخططات ترميم وإعادة تأهيل مغارة هرقل وقصر بيرديكاريس.

قصر بيرديكاريس التاريخي

باستثمار 10 ملايين درهم في مغارة هرقل، و20 مليونا في متنزه بيرديكاريس، ستكون طنجة قد استعادت جزءا من ماضيها بمجرد الانتهاء من الأشغال، لتستعيد معه أيضا نسبة مهمة من مقوماتها الثقافية والسياحة، كل ذلك يجعل السكان ينتظرون ما إذا كان الحلم هذه المرة سيتحول إلى حقيقة، معتبرين إشراف الملك، ضمانا لتجنب حالات “البلوكاج” ، التي عرفتها مشاريع مماثلة في السابق.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version