أن تكون طنجة مدينة كبرى فذلك لن يتحقق إلا عبر وسيلة حيوية وإستراتيجية، وهو قطاع التعليم، لأنه لا يعقل أن تسير مدينة ما نحو المستقبل بدون علم وبدون معرفة.

طنجة خرجت قبل وقت قريب من شرنقة تهميش قاسية في مجال التعليم، وطلبتها في العقود الماضية كانوا يضطرون إلى الرحيل نحو مدن أخرى من أجل التعليم، والغريب أن من كان يريد درس الأدب أو التاريخ والجغرافيا كان يرحل نحو الرباط أو فاس، فما بالك بالطب والهندسة وما إلى ذلك.

اليوم تغيرت الأشياء بشكل ملموس، لكن لا يمكن لطلاب طنجة، ومعهم طلاب وطالبات الشمال بشكل عام، أن يتعلموا الطب أو الهندسة في مدينتهم، بل يجب أن يرحلوا نحو الرباط أو الدار البيضاء، وفي حالات أخرى يرحلون خارج البلاد.

لنقل إن الماضي لا يعاد، ولنتفاءل مع المتفائلين بكون طنجة ستعرف قريبا افتتاح أول كلية للطب وأول كلية للهندسة، ولننظر إلى المستقبل لنستشف معالم الغد.

التعليم في طنجة ينقسم اليوم إلى قطاعين، القطاع العام والقطاع الخاص، وهناك نمو مطرد، إن لم نقل إنه نمو غريب للتعليم الخاص، لكن هذا التعليم يهدف إلى شيء أساسي وهو تحقيق الربح، فهو يركز على التعليم العادي ودور الحضانة والتعليم الرئيسي، مع التركيز على إعطاء أهمية مبالغ فيها للفرنسية، للظهور بمظهر التعليم العصري والمتطور، بينما الواقع يفرض أن يكون القطاع الخاص رافدا أساسيا من روافد التعليم العصري في مجال التكنولوجيا والتقنيات وكل علوم الحاضر والمستقبل.

المثير أن تعليم القطاع الخاص لا يتنافس اليوم في خلق أجيال متعلمة بالفعل ومتفوقة علميا وتكنولوجيا، بل يركز فقط على التنافس حتى تكون نسبة النجاح في الباكالوريا مائة في المائة وبأية وسيلة ممكنة، وهذا غباء كبير ما بعده غباء، لأن النجاح بنسبة 100 في المائة يتنافى مع الطبيعة البشرية، ولا يوجد حتى في الولايات المتحدة الأمريكية واليابان.

مطالب طنجة الكبرى تعليميا هي في الأساس مطالب علمية وتقنية، لكننا سنكون مغفلين لو ركزنا على التكنولوجيا فقط من دون الأخذ في الاعتبار طبيعة العقول التي ستحمل هذه التكنولوجيا وتطبقها.

إن تكوين الإنسان المتعلم يبدأ من مرحلة الطفولة، لذلك يجب أن نركز على تكوين أطفال أسوياء الشخصية حتى يتسنى للمجتمع أن يحظى بأفراد أسوياء ومواطنين صالحين سواء تفوقوا في دراستهم أم لا.

ومن أجل أن نسير بثقة نحو المستقبل يجب أولا أن ننزع من عقول أبنائنا فكرة أن التعليم يقود نحو الوظيفة الحكومية، أو هو جسر نحو مهن راقية مثل الطب والهندسة، ويجب أن نغرس في عقولهم أن التعليم يجب أن يقود أيضا نحو المسؤوليات الكبرى كإنشاء الشركات المتعددة الجنسيات والمؤسسات الثقافية والإعلامية.

التعليم يجب أن يقود أيضا نحو تقلد مسؤوليات تدبير الشأن المحلي لأنه لا يعقل أن يستمر الوضع على ما هو عليه وتستمر الجماعات المحلية والمقاطعات في استقبال الجهلة والأميين، يقودهم رؤساء جماعات، الله وحده يعلم أسرار وصولهم إلى تلك المناصب.

عموما، يجب أن نخلق أهدافا كبرى أمام أبنائنا لكي يسايروا مشروع طنجة الكبرى، ويجب أن نكسر لهم الحواجز النفسية التي تحول بينهم وبين التقدم الحضاري والإنساني.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version