مـقـال تـحـلـيـلـي:

بدا الشيخ السلفي، محمد الفزازي، سعيدا جدا بإمامته للملك بمسجد طارق بن زياد بطنجة، وأصر على اعتبار هذه الخطوة حدثا عالميا، يستحق أن يولى اهتماما إعلاميا غير مسبوق… وهو بذلك لم يكن مبالغا، وإن اختلفت زوايا نظره للموضوع عن الزوايا التي تناولته منها أغلب وسائل الإعلام، التي استحضرت أن الفزازي هو نفسه الذي قضى في السجن 8 سنوات من أصل 30 كان محكوما بها بعد اتهامه بالتحريض على تفجير البرلمان والقناة الثانية.

لكن المثير في حدث إمامة الفزازي للملك أيضا، هو كونها بدأت تكشف عن حقيقة العلاقة المسكوت عنها بين الشيخ السلفي المراجع لمواقفه من النظام، وبين الحزب الإخواني الذي يقود الحكومة، فعلاقة الفزازي بحزب العدالة والتنمية التي بدت طيبة جدا عند خروجه من السجن قبل 3 سنوات، سرعان ما دخلت “المجمد”، وظل تفسيرها عصيا على المحللين، فلا هي حميمية موصولة، ولا هي متوترة مقطوعة.

علاقة الفزازي بالعدالة والتنمية بدأت بشكل مثالي، عندما أكد الشيخ السلفي تصويته على لائحة حزب المصباح بطنجة في الاستحقاقات البرلمانية، ثم بعد ذلك تحدث عن إمكانية الانضمام لحزب بنكيران، لكن بعد مرور الوقت بدا وكأن هذه الخطوات لم تكن سوى جزء من مسلسل تطبيعي طويل بين الفزازي وبين من لم يكن يتقاسم معهم الود، بل يجاهر بالعداوة لبعضهم، كالقناة الثانية أو الفنانين، أو حتى بعض المفكرين العلمانيين… تطبيع قاده في ذات مرة إلى التقاط الصوور مبتسما مع حميد شباط وإدريس لشكر، أبرز خصمين للعدالة والتنمية حاليا.

لكن خطبة الفزازي الجمعة أمام الملك ولقاؤه به، كشف عن دور جديد قد يلعبه بديلا لحزب العدالة والتنمية، فالرجل سارع إلى دعوة جماعة العدل والإحسان، إلى التطبيع مع النظام، وهي الدعوة التي ردتها الجماعة على العدالة والتنمية بصرامة أدت في أحيان كثيرة إلى وقوع صدام بين الطرفين.

وأيضا، قام الفزازي بدعوة السلفيين، بشكل مباشرة تارة وغير مباشر تارة أخرى، إلى أن يحذوا حذوه، وأن ينخرطوا في الحياة العامة التي يضع النظام قواعدها، وإلى نسيان سنوات الجمر التي مروا بها منذ أحداث البيضاء الدامية في 2003، والتي لا زال بعضهم يعاني منها داخل المعتقلات إلى اليوم، لقد قال الرجل إن لقاءه بالملك هو أكبر جبر للضرر، وكأن يقول للمؤمنين بنهجه إن “رضى القصر يجب ما قبله”.

لقد مر الفزازي بسرعة إلى عملية تلقين الدروس للعدالة والتنمية، فاستنكر على أعضاء الحزب عدم تهنئته على إمامته للملك، فاضطر إخوان بنكيران إلى الانتقال إلى منزله مباشرة لتدارك الموقف، وهي زيارة لم تكن عادية، ما دام أن متقدم الوفد هو أحد القيادات التاريخية للحزب بطنجة، الشيخ عبد الله اشبابو، ليخرج الفيزازي بتدوينة على صفحته بـ”الفيسبوك” تعبر عن سعادته بهذه الزيارة، في خطوة أثارت تعليقات مستغربة بل وساخرة أحيانا.

المؤكد أن لقاء الفزازي بالملك سيكون له ما بعده، وهو وإن كان من المستبعد أن ينجح في دفع جماعة العدل والإحسان نحو التطبيع مع النظام ولو قليلا، إلا أن حظوظ الرجل في دفع السلفيين إلى أحضان النظام تبدو وفيرة جدا، وإن نجح في ذلك، فقد نراه بعد حين وهو يزاحم عبد الإله بنكيران داخل القصر الملكي… من يدري؟.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version