“من صفحة الصحفي رشيد البلغيتي”
كنت صحبة أسرتي، كان بيننا طفل رضيع.. كادت ان تقتلنا الحكومة.
ذهبنا، ليلة السبت، الى الدار البيضاء كي نترك أطفالنا تحت رعاية الجدين ليومين.
في الرباط ينتظرنا _صباح هذا الإثنين_ جبل من الأوراق الادارية عَلَيَّ أن أصعده صحبة زوجتي قبل العودة لأخد الطفلين وإكمال رحلتنا نحو الجنوب.
جدتي اشترت كل الأضاحي، تطل من شرفتها بشوق لأن روحها الطيبة تنزع الى الأحفاد عند كل عيد.
وضع الأصهار طبق محبة على مائدتهم عند العشية فسقط بلاغ وزاتي الداخلية والصحة كجلمود صخر قلب المائدة والخطط والأمزجة رأسا على عقب.
أخي في الدار البيضاء يسأل عن خطة لإجلاء أبنائه خارج المدينة.
صهري يجيب، عبر الهاتف، كسابا مرعوبا استودعه أضاحيه.
محمد زيدان يسألني عن طبيعة الإغلاق وتوقيته وامكانية سفر مستخدميه وزوجتي تأمرني بحمل الرضيع والهرولة الى السيارة قبل ان تنشق الارض وتسقط، فوق رؤوسنا، السماء.
نزلنا من “عين السبع” الى الطريق السيار كنقطة ماء وسط نهر جارف. عشرات الالاف من السيارات بين مدينتي البيضاء والرباط. صف لا ينتهي امام محطة الأداء (بوزنيقة). كنت متأنيا، مرِنا، يقظا، لأن في سيارتي أغلى وكل ما أملك.
قبل أن ينتهي الطريق السيار، عند مدخل الرباط، بنحو 300 متر او يزيد تكدست السيارات بالمئات بعدما وضعت عناصر الشرطة سدا إداريا مرتبط بقرار الإغلاق الجديد. كان كمينا في الحقيقة نصب قبل السد القضائي المعروف قبالة المركب الرياضي.
أشعلتُ أضواء النجدة البرتقالية (Les feux de détresse)، خففت السرعة ثم وقفت في آمان الله خلافا لبعض أصحاب السيارات ممن ناوروا أمامي او جنبي تجنبا للفاجعة.
بعد عَشرِ ثوان أو يزيد جاء شاب بسرعة جنونية فصدمنا صدمة قوية قلبت كرسي الرضيع ورفعت أخاه الأكبر من مكانه.
أخضعنا الصغير للسكانير في مستشفى الشيخ زايد وهو بخير لكني أحتفظ بكلام في حلقي كالعلقم واسمحوا لي أن أجهر بالمُعتدِلِ منه:
“- كل الأرواح التي ازهقت أمس هي في عنق الحكومة التي حولت طرق الوطن الى ساحات إعدام لم تنصب فيها المشانق لكن رُمِيَ فيها الآبرياء بالسيارات كما يرمى الإنقلابيون بالرصاص.
– كل الجرحى هم معطوبي حرب جائرة شنها اصحاب القرار ضد شعب أعزل لا حول ولا قوة له.
– بلاغ الحكومة، امس، مضمونه، توقيته وفجائيته.. لم يُكتب على ورق بل نُقش على سكين قطعت رقابا واسالت دماء ما كان لها أن تهرق لولا إرجاف المرجفين.
نتضرع الى الله بالرحمة للموتى والشفاء للجرحى وامام عجزنا وقلة حيلتنا نقول لصاحب هذا البلاغ القاتل قول اسماعيل لإبراهيم:
– يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنا إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ!