طنجة أنتر:

في سياق ردها على أسئلة البرلمانيين يوم الإثنين 25 يناير 2021 حول إشكالية تزايد عدد المشردين وخطورة الظاهرة، قدمت وزيرة التضامن والتنمية الاجتماعية والأسرة جوابا” شافيا” حاولت من خلاله امتصاص حدة هذا المشكل من خلال التنقيص من عددهم.

فحسب الإحصائيات التي توصلت إليها الإدارة، فإن عدد المشردين وطنيا لا يتعدى 6500 شخص.. وكأن المشكل يكمن في العدد فقط ..إن الأمر أخطر من ذلك.

فبغض النظر عن العدد المصرح به، وهو ليس هينا. فالذي يجب التركيز عليه هو الوضعية المزرية التي تمر بها هذه الشريحة الاجتماعية التي تم التخلي عنها نهائيا بعد أن تم وضعها في خانة النفايات التي لا طائل من ورائها. 

هكذا يتم اعتماد سياسة النعامة في التعاطي مع هذا الملف الذي يعد من أكبر التحديات التي يواجهها المغرب، خاصة وأن أغلب هذه الفئات من الأطفال الصغار ذكورا وإناثا ومن كبار السن ،وهو ما يشكل الكابوس المظلم بالنسبة للمستقبل الذي يمكن التحكم في مجراه في ظل اتساع قاعدة هذه الفئات الميؤوس منها في نظر أولي الأمر..

ولا يخلو بلد من مشردين ومتسكعين، لكن مكانهم المعتاد هناك هو الأحياء النائية وتحت الجسور أو الأماكن المعزولة عن أنظار المارة وكأنهم وراء الستار.

أما عندنا فإنهم يتحركون بالمكشوف في وسط المدينة وفي أماكن الصدارة والواجهة، فيتم الوقوف عليهم وهم يعاقرون الخمر أو يتحرشون بالمارة في أهم الشوارع والساحات والحدائق وكورنيش المدينة وعند أبواب المرافق السياحية .. وهذا مشهد حي لتقريب الصورة أكثر إنطلاقا من طنجة. لقد عمل ستة متسكعين على تحويل كرسي حديقة عمومية إلى حانة في الهواء الطلق.


وفي محيط بناية (تيكنوبارك) في واحدة من أهم الساحات العمومية بطنجة، (ساحة الأمم )، يتجمع عدد كبير من الحمقى والمشردين، وفي ضوء النهار في قلب المدينة، قبالة محطة وقوف حافلات النقل العمومي على بعد خطوات من المبنى الموقر لمحكمة الاستئناف، وغير بعيد عن المقر الرئيسي الأنيق لشرطة المدينة، في محيط الأعمدة الحاملة لكاميرات المراقبة التي يفترض فيها أن تكون العين الحارسة لتلك الساحة .


إنه منظر صاعق لأبناء المدينة قبل زوارها من المغاربة والأجانب. مشاهدة مجموعة من الأشخاص وجوههم تتخللها جروح غائرة، مرة يتبادلون السباب والكلمات البذيئة، ومرة يرقصون على الموسيقى الصاخبة المنبعثة من جهاز موضوع تحت الكرسي، ويقرعون كؤوس كحول الحريق والخمر الرديئ الكريه الرائحة التي تتعدى محيط الساقي لتصل أنوف المارة العابرين لهذا الطريق الرئيسي. إنه منظر غير عاد بالمرة، وكل من يمر من أمام هذا المنكر يحس بمزيج من الاستغراب والخوف والغضب. إنه استهتار كبير بالذوق العام أصاب الإحساس بالأمن في مقتل، وخاصة لدى النساء اللاتي أصبن بالرعب و بالإحراج أمام الأقارب .


قساوة المنظر دفعت أحد المواطنين لدخول مبنى (تيكنوبارك) والتوجه إلى أحد الحراس الخاصين وسؤاله عن رئيسه. فقدمه إلى رئيس الحراس. وحينما عرض عليه المشكل، ترجاه أن يتدخل لتصحيح الوضع أو الاتصال بالجهات المسؤولة من خلال مؤسسته، لأنه سيكون أفضل من اتصال مواطن عابر سبيل يمكن أن لا يؤخذ اتصاله على محمل الجد، أو أنه قد يعتبر واحدا من المزعجين.

كبير الحراس قال إنهم تعبوا من الاتصال بتلك الجهات دون جدوى، وبأنهم راسلوها كتابة دون أن يحدث أي تغيير، وحتى وإن تم التدخل أحيانا، فإنهم يطلقون سراحهم بعيدا عن المكان لكي يعودوا من جديد. وإن ما يحدث في محيط هذه البناية ليلا هو أفظع بكثير مما يحدث بالنهار من صياح ومشاجرات وتحرشات.. “. فأجابه المواطن بأن حل المشكل لن يكون بالصمت والاستسلام ورفع اليد، وإنما بالاستمرار والإلحاح في الاتصال بجميع المتدخلين والمسؤولين لمواجهة استمرار هذه الظواهر المسيئة للمدينة .
وفي نفس الوقت وفي محيط الساحة المجاورة، كانت فتاة مختلة عقليا تسب نادل مقهى منعها من ابتزاز أحد زبائنه. فانتقلت الفتاة إلى المقهى الموالي لتتشاجر مع أحد الزبائن وتصب جام غضبها عليه، مستعملة قاموسا كاملا من الكلمات النابية. النادل قال بأنها مرت أربع مرات خلال ساعة واحدة. في كل مرة تتشاجر مع شخص من المارة أو من زبائن المقهى، وبأنها أصبحت وجها مألوفا في هذا المكان، حتى أصبح الكل يخشاها ولا يعرف لماذا لا تؤخذ إلى مراكز خاصة لحماية الناس منها ولحمايتها أيضا من المجتمع. ففي كثير من المرات تكون المسكينة حاملا، ولا يعرف لا من تسبب في حملها ولا مصير الجنين بعد الولادة.


حالة هذه الفتاة ليست معزولة، بل هناك عشرات المختلين عقليا يجوبون شوارع طنجة ويكتوي بنارهم أصحاب المشاريع المختلفة، وخاصة أصحاب المقاهي الذين يقولون إن العمدة ضاعف رسوم المشروبات وكذلك أثمنة استغلال الملك العمومي التي كانت سببا في إغلاق وإفلاس العديد من المقاهي حتى قبل حلول كورونا، وفي المقابل لم يساهم بأية قيمة مضافة ولو بجمع الحمقى والمشردين الذين يشكلون كابوسا حقيقيا للزبائن، وخاصة السياح الأجانب. ويكفي أن تتصور إحساس سائحة أجنبية وجها لوجه أمام متسكع ثمل يشرب قهوتها ويستجديها أن تمنحه المال .


إن مشكل المشردين والمختلين عقليا والحمقى متداخل. ويمكن تفهم رجال الأمن الذين لا يمكنهم اعتقال هؤلاء إلى ما لا نهاية. فهم في الأول والأخير يتبعون المساطر القانونية.


لكن لا يمكن أن تستمر الأمور على ما هي عليه، ولا يعقل أن يدير كل واحد وجهه إلى الجهة الأخرى حتى لا يرى المشكلة. فالحل هو أنه يجب أن تكون للمدينة مصالحها الاجتماعية ومراكز متطورة تعمل كمصفاة حقيقة توجه المختلين إلى مراكز العلاج وترحيل الأشخاص الذين لا يتوفرون على سكن قار إلى مدنهم الأصلية، وتحيل المحتالين ومستغلي الأطفال في التسول إلى العدالة والقاصرين إلى المراكز الخاصة بحمايتهم.


إن الوضع الحالي شاهد على أن المدينة تخسر مئات الملايين على أثاث عمومي وحدائق تصبح مرحاضا لهته الفئة، علما أنه في الإمكان اقتصاد تلك الملايين وتخصيصها لإحداث المراكز، كما في الإمكان أيضا تخصيص ميزانيات من وزارة الأوقاف من باب الاعتناء بعابري السبيل لإنفاقها على تحسين وضع هته الفئة التي حولت مؤخرا باب أكبر مسجد بالمدينة إلى مرحاض.


الأموال موجودة إن استثمرت على الوجه الصحيح لحل هذه المعضلة، لكنه لا يمكن حل مشكل الكل يتجاهله، إما عن قصد وإما بسب عدم مغادرتهم لمكاتبهم الأنيقة. فلا أحد منهم يتجول راجلا في الساحات العمومية مساء أو في أهم شوارع المدينة بعد منتصف الليل.

عن “المكتب المركزي لرابطة الدفاع عن حقوق المستهلكين”

شاركها.

تعليق واحد

اترك تعليقاً

Exit mobile version