شيئا فشيئا بدأت كأس العالم تفقد فلسفتها الكونية، لتصبح مسابقة نخبوية غير متاحة إلا للأغنياء، فهذا الحدث الذي كان يجمع الأمم حول المذياع من الثلاثينات حتى نهاية الستينات، ثم حول التلفاز، بهدف تشجيع منتخباتها أو حتى لمجرد الاستمتاع بسحر الكرة، صارت متابعته اليوم محتكرة لمن يستطيعون اقتناء الأجهزة والبطاقات غالية الثمن.

وبعيدا عن دول الخليج، يحرم محبو الكرة في الدول العربية، من مشاهدة المونديال بفعل احتكار شبكة تلفزيونية واحدة للمباريات، وبثها بنظام التشفير، وهي العملية التي انطلقت منذ مونديال ألمانيا 2006، واستمرت في مونديالي جنوب إفريقيا 2010 والبرازيل 2014 وستستمر لباقي البطولات.

الحكاية بدأت مع قرار “الفيفا” منح حق البث الحصري لشبكة واحدة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في خطوة مثيرة للاستغراب، حيث إن الفيفا منحت جميع الدول الأوروبية مثلا فرصة اقتناء حقوق بث المونديال، ويكون احتكار الشبكة للمباريات داخل الدولة، وليس داخل القارة أو داخل المنطقة الجغرافية.

وما زاد الطين بلة، هو أن القنوات العربية فضلت بث المونديال عبر القنوات المشفرة، وكانت “ART” السعودية أول شبكة سنت هذه السنة السيئة، ويتذكر المغاربة تلك المفاوضات العشيرة بينها وبين القنوات المغربية في 2006، والتي تدخل فيها الملك شخصيا ليمكن القنوات الأرضية بالمغرب من نقل مباراة الافتتاح ومبارتي نصف النهائي والمباراة النهائية.

وفي 2010، وبعدما نالت وابلا من الانتقادات، اضطرت شبكة “الجزيرة الرياضية” القطرية، لبث مباراة واحدة في اليوم على قنواتها المفتوحة، ما مكن المشاهد العربي، ولو جزئيا من الاستمتاع بالمونديال، لكن ذلك لم يحمها من غضب جماهير الكرة العربية، حيث قام مجهولون بالتشويش على بث القنوات المشفرة.

وفي 2014، اختارت “بي إن سبورت”، المسمى الجديد للجزيرة الرياضية، بث كل القنوات بشكل مشفر، وبالموازاة مع ذلك نقلت بث قنواتها للنظام الآمن، الذي يفرض على عشاق المونديال اقتناء مستقبل خاص بالإضافة إلى البطاقة، بثمن يتراوح ما بين 2500 و3000 درهم مغربي.

هذه الخطوة، التي وصفها الكثيرون بـ”الجشعة”، دفعت عشاق الكرة للبحث عن حلول بديلة، ففي المغرب فضل البعض تحويل جهازه اللاقط إلى مدار القمر الاصطناعي “أسترا سات”، لمتابعة المونديال على قنوات الشبكة الألمانية “ZDF” فيما قام يستعد البعض الآخر لمتابعة المباريات عبر الإنترنيت، حيث تقوم مجموعة من المواقع بقرصنة بث الشبكة القطرية.

وتضع “بي إن سبورت” حاليا يدها على قلبها خشية تنفيذ مجموعة “أنونيموس”، أخطر مجموعات القرصنة في العالم، لتوعدها بضرب مواقع الشبكة والتشويش على بثها، وهي الخطوة التي قالت المجموعة إنها تأتي ردا على احتكار الرياضة وانتصارا للفقراء.

وأيا كان الحال، فإن النظام الرأسمالي الذي يسود العالم، أحاطت أذرعه الأخطبوطية كرة القدم أيضا، التي صارت تبتعد يوما بعدا عن فقرة “الشعبية”، وعن صفة “رياضة الفقراء”، بعدما صارت اقتصادا قائما الذات يخضع لمبدأ العرض والطلب ولا يرى مانعا من احتكار الفرجة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version