طنحة أنتر:
لم يعد سكان طنجة قادرين على تحليل واقع مدينتهم بعقلانية لأن الأمور خرجت عن السيطرة، لذلك صاروا يرددون النكات المرة حول مآل مدينتهم، وهي نكات تعكس الواقع إلى حد كبير.
ومن بين أشهر النكات حول عمدة المدينة، منير ليموري، المنتمي لحزب الأصالة والمعاصرة، “نكتة” لها طابع الحكمة، والتي تقول إن حزب “العدالة والتنمية” دس عميلا سريا في حزب “الأصالة والمعاصرة” من أجل التمهيد لعودة قوية للحزب الإسلامي واكتساح الانتخابات الجماعية والبرلمانية المقبلة، مثلما حدث في انتخابات 2015 و2016.
وتورط عمدة طنجة في فضائح بالجملة، غير أن يد المساءلة لم تصل إليه، علما أن عمدة العاصمة الرباط، أسماء اغلالو، تم دفعها قسرا إلى الاستقالة رغم أن أخطاءها لم تصل حتى إلى واحد في المائة مما قام به عمدة طنجة.
وهذه المقارنة تدفع الطنجاويين إلى الاعتقاد بأن الرباط محمية بالقانون والصرامة، بينما طنجة صارت غنيمة حرب في يد كل أنواع الناهبين و”القطاطعية”.
ومنذ وصوله إلى كرسي عمدية طنجة صار الوضع كارثيا في مدينة تعتبر القطب الاقتصادي الأول في المغرب، لكنها، أيضا، تحطم الأرقام القياسية في الفساد بكل أشكاله، والتي يعتبر فيها منصب العمدة بمثابة مغارة علي بابا.
ولم يكن أحد في طنجة، وفي المغرب عموما، يسمع باسم منير ليموري، هذا الشخص الذي صار عمدة على المدينة بعد مفاوضات كارثية تلت انتخابات شتنبر 2021. فقد كان مسؤولا عن شيئين قبل ذلك، غرفة الصناعة التقليدية بالمدينة ومعمله الصغير لصنع الأحذية، وعندما تمت تسميته عمدة وجد الناس صعوبة كبيرة في نطق اسمه.. هل هو الليموني أو الميموني أو الماموني..!
ورغم تشكيل تحالف ثلاثي في المدينة على غرار التحالف المركزي، الأحرار والبام والاستقلال، لكن منذ البداية تأكد أن البام يتمتع بالحكم الذاتي ويطمح إلى الانفصال، لذلك يتصرف العمدة مثل فيل هائج في متحف قش، واقترف أخطاء كارثية لم يرتكبها عمدة قبله.
وظل ليموري منذ تعيينه ينزل من طائرة ليركب أخرى، واعتبر كثيرون ذلك انتقاما منه لأيام بؤس سفريات الصناعة التقليدية التي بالكاد تسمح له بالسفر عبر القطار أو الكار.. إلى درجة أنه تخيل نفسه وزيرا للخارجية، ورد على منتقديه بأن أسفاره تعزز العلاقات الدبلوماسية مع الشعوب والبلدان الصديقة..!
ولأن حصيلة الخطايا في مجلس طنجة تصعب على العد، فإن من أبرزها الكشف عن أزيد من 50 رخصة موقعة ومختومة من العمدة، وبها مخالفات خطيرة، لذلك سارع العمدة إلى التصريح بأن التوقيعات والأختام ليست له، ووضع شكاية لدى القضاء، وإلى حد الآن لم يتم الكشف عن أي جديد في الموضوع.
ومنذ أن تولى هذا العمدة مسؤوليته، في ضربة حظ عبثية، فإن الاتهامات تلاحق الجماعة في قضايا كثيرة، وهناك شبهات كثيرة تحيط بالمجلس تجعل منه مصيبة انتخابية حقيقية، ومن الصعب جرد كل فضائح المجلس، لكن يكفي الحديث عما سمي “الرخص المزورة” وعشرات الرخص الممنوحة لمقاول شهير يدعى الزويتني، وأشياء كثيرة أخرى، أو كما تقول قناة الجزيرة “ما خفي أعظم”.. آخرها فضيحة تكليف شركة لإنجاز مهام لصالح الجماعة الحضرية خارج القانون!
لكن عمدة طنجة لا يثير فقط غضب الطنجاويين، بل إن المرأة القوية والأمينة العامة لحزب “الأصالة والمعاصرة” والوزيرة وعمدة مراكش، فاطمة الزهراء المنصوري، عندما زارت طنجة، أدركت هول الكارثة التي حلت بالمدينة مع عمدة مثل ليموري، وربما لم يفت الأوان لكي يستدرك “البام” خطأه الكارثي ويعتذر لسكان طنجة عن الإهانة التي لحقت بهم عبر فرض هذا “العمدة – المصيبة” عليهم.
وفي حال إنجاز استفتاء في المدينة حول ليموري، فإن الذين سيصوتون بعزله ومحاسبته لن ينزلوا عن 99 في المائة، بالنظر إلى الحالة الخطيرة من اليأس والإحباط التي خلقها هذا “العمدة الورقي” بين السكان.
ورغم أن تكهنات كثيرة كانت تسود في الماضي حول إمكانية عزله، إلا أنه لا يزال في منصبه لأسباب غامضة، وهو ما جعل السكان يعتقدون أن منير ليموري مكلف بمهمة محددة وهي تعبيد الطريق لعودة قوية لحزب “العدالة والتنمية” من أجل اكتساح الانتخابات المقبلة.
ولا يخفي عدد كبير من سكان طنجة رغبتهم الكبيرة في عودة العدالة والتنمية إلى اكتساح المقاعد الانتخابية بطنجة، وهي رغبة قد تبدو غريبة للبعض، لكن من يتابع فضائح العمدة ليموري ستبدو له هذه الرغبة طبيعية جدا.
وكان حزب الأصالة والمعاصرة، الذي خرج من القبر السياسي خلال الانتخابات الماضية، تلقى مساعدة انتخابية كبيرة في طنجة من “التماسيح والعفاريت” كما يسميها بنكيران، وبعدها تحالف لوبي الفساد الانتخابي من أجل تعيين ليموري عمدة، لتدخل المدينة بعدها في نفق طويل لا يبدو في نهايته أي ضوء.