عبد الله الدامون
(المساء)
قبل أن نبدأ في سرد إيجابيات التقاعد المتأخر يجب أن نعطي لكل ذي حق حقه، فرئيس الحكومة، الذي يدعى عبد الإله بنكيران، لا علاقة له برفع سن التقاعد، لقد جاءه أمر بذلك فنفذ الأمر مثل أي عبد مأمور، لذلك فهو رجل رُفع عنه القلم. ألا يقول هذا الرجل دائما بأن الواقع المغربي مختلف؟ ألم يطلب منا مرارا أن نفهمه ونتفهمه؟ ألم يقل أكثر من ألف مرة إنه لا يحكم لوحده؟ لماذا، إذن، تريدون أن نقلد هذا الرجل مسؤولية رفع سن التقاعد؟ لقد فرض الآخرون رفع سن التقاعد وكل ما قام به بنكيران هو أنه أوْصل الخبز للفران. هذا كل ما في الأمر.
عموما، لا مضار في رفع سن التقاعد، بل أرى أن له إيجابيات كثيرة. ففي أوربا يتقاعد الناس من أجل المزيد من السفر والاستمتاع بالحياة، وفي المغرب عادة ما يتقاعد الناس من أجل الحصول على وقت كاف للعب “الضّامة” في الحي أو في باب العمارة. ومن فضائل رفع سن التقاعد أن الوقت الكبير الذي كان مخصصا للمتقاعدين للعب الضّامة قد تقلص شكل كبير، فهذه اللعبة الخبيثة لا خير يرجى من ورائها.
رفع سن التقاعد إلى الخامسة والستين، أو حتى السبعين، سيكون له تأثير إيجابي كبير على التلاحم الاجتماعي وربط أواصر المحبة والتضامن بين الأسر. ففي أوربا يتقاعد الناس مبكرا فيبقى لهم الوقت الكافي لتبذير كل الأموال التي جمعوها، وأحيانا يبيعون كل ممتلكتهم ويصرفون مدخراتهم على السفر والاستجمام حتى آخر فلس، أي أنهم يعودون شبابا كما كانوا أول مرة، لذلك لا يأبه الأبناء والأحفاد بآبائهم وأجدادهم، وأحيانا لا يحضرون حتى جنازاتهم، لأنهم لا يتركون لهم في الميراث الشيء الكثير.
هذا الوضع لا نستحبه في المغرب. نريد أن يموت الموظف أو العامل مباشرة في مقر العمل، فلا تبقى له دقيقة واحدة لصرف المال الذي جمعه، وهذا ما سيترك الأبناء والأحفاد يتتبعون بشكل دقيق آباءهم وأجدادهم ويسألون عن أحوالهم كل يوم.
رفع سن التقاعد له ميزة كبيرة أخرى وهي أنه يوفر الكثير من المصاريف، لأن المؤسسات والمعامل ستبني في باحاتها الخلفية مقابر خاصة بها، وكل موظف أو عامل يموت وهو يشتغل يُغسّل ويُكفّن ويصلي عليه زملاؤه صلاة الجنازة ويدفن على الفور، وهذا فيه توفير كبير للمصاريف وادخار ملحوظ للأحزان، فحتى عائلة الميت لن تجد الوقت الكافي لبكائه وتبذير الكثير من الدموع، وأيضا ستوفر الكثير من مصاريف الجنازة التي أصبحت مرهقة لكثير من الأسر المغربية لأنها تنافس مصاريف العرس.
أنا لا أفهم ما المشكلة في أن يعمل المغربي من المهد إلى اللحد. فحتى أولئك الذين تقاعدوا مبكرا ذهبوا مباشرة للبحث عن عمل. في الماضي كان ذلك ممكنا، أما اليوم فالأوضاع تغيرت كثيرا. فيما مضى كان المغاربة يتقاعدون ثم يحتلون مساحة معينة في الحي ويمضون الأمسيات في تبادل النميمة والحديث عن فلسطين ومشاكل الشرق الأوسط وينتظرون آذان كل صلاة كأنهم يتوقعون مفاجأة وبعدها يموتون. إنه تقاعد بلا فائدة. حاليا يمكنهم أن يموتوا وهم داخل العمل مباشرة. ثم أن فلسطين لم تعد موضوعا مثيرا يستحق النقاش بعد التقاعد، فالعالم العربي صار كله فلسطين، أما موضوع “داعش” فإنها قضية معقدة أكثر من اللازم ويمكن أن يطير “افلْريّخ” للمتقاعدين إذا حاولوا تحليلها.
الزوجات، بالتأكيد، هن أكثر من صفقن لقرار رفع سن التقاعد. إنهن لن يجدن أنفسهن أمام ضرة جديدة اسمها الزوج المتقاعد. إن مشكلة الرجل هو أنه عندما يفقد عمله فإنه يتحول إلى “ربة بيت” لمنافسة ربة البيت الأصلية. يتدخل في الطبخ والملح والسكر وبرامج التلفزيون وضجيج الجيران، ويهتم أكثر بسلوك وماكياج الجارات. هكذا سيكون رفع سن التقاعد ضمانة مريحة للزوجات بحمل الزوج مباشرة من العمل إلى القبر، دون المرور عبر المطبخ.
لكن أهم ميزات رفع سن التقاعد هو أنه سيجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، هذه الفتن التي نراها في بلدان عربية كثيرة فنحمد الله على ما نحن عليه من أمن واستقرار.. ونهب ولصوصية.
فعندما سنشتغل حتى حدود السبعين فإننا سنغطي على كل السرقات والاختلاسات التي اقترفها اللصوص الكبار في حق مدخراتنا في صناديق التقاعد والضمان الاجتماعي. ستقولون إن اللصوص يستمتعون بما سرقوه في الفنادق الفارهة والجزر الحالمة بينما نحن نعمل مثل الحمير لكي نغطي على سرقاتهم، لكن لا تنسوا أننا، أيضا، نستمتع كثيرا، نستمتع بالأمن والأمان ونعمة الاستقرار.
تعليق واحد
نسيت قائدة جد مهمة ألا وهي خروج الرجل متهالكا يثنيه عن التفكير في الزواج مرة أخرى, وهذا كما لا يخفى يجنب العائلة كثيرا من المشاكل ومن كل نوع. و هذه المزية وحدها تكفي التقاعد الجديد فخرا وكيف اذا أضفنا اليها المزايا الأخرى .