طنجة أنتر:
عندما تم تنظيم النسخة الأولى من مهرجان صيف طنجة الدولي السنة الماضية، فإن متابعي المهرجان لم يصدقوا أن الأمر يتعلق بالنسخة الأولى.. فقد ولد المهرجان كبيرا.. ومنظما.. واحترافيا.
وفي النسخة الثانية من مهرجان صيف طنجة الدولي، التي اختتمت فعالياتها قبل بضعة أيام، بدا أن هذا المهرجان لا يكبر فحسب، بل صار مدرسة حقيقية، مدرسة في الحرفية وفي التنظيم وفي التناغم بين فقراته وفي فن الابتكار.. وفي التفوق أيضا.
مؤسسة طنجة الكبرى للعمل التربوي والاجتماعي والرياضي، التي تشرف على تنظيم هذا المهرجان، ولدت وفي فمها من ملعقة، لكن ليس من ذهب، بل ملعقة من النضج والتضحية والتجربة والمهنية، لذلك من الطبيعي أن تتحدى هذه المؤسسة نفسها، وليس غيرها.
في النسخة الثانية من مهرجان صيف طنجة الدولي بدا جليا أن تاريخ المهرجانات الفنية بطنجة ينبغي أن يكتب من جديد، فليس كل من أتى بفنان وجمع حوله الناس يعتبر منظما جيدا، وليس كل من أقام منصة يلتف حولها البشر يعتبر لقاء فنيا، وليس كل الجمهور متذوق ولا كل المغنين فنانين.
مهرجان صيف طنجة الدولي أكرم جمهوره أولا حين جعل سهراته مفتوحة للعموم في منطقة تحتاج إلى الكثير من رد الاعتبار وهي “باب الديوانة” التي تعتبر البوابة التاريخية والسياحية لطنجة العتيقة. كما أن المهرجان خصص لجمهوره الكثير من المقاعد التي تستضيف أسرا وعائلات تدرك مثالب الازدحام العشوائي في المهرجانات العشوائية.
في برمجته للنسخة الثانية حرص مهرجان صيف طنجة الدولي على الوفاء لمنهجيته وفلسفته، وهي فتح المجال للوجوه الشابة والمتألقة، وهذا المزيج هو الذي يمنح المهرجان ألقا خاصا يعد مستقبلا بمزيد من النجاح.
في السهرة الأولى حضر المطرب الشاب والواعد، ياسر سميرايز، الذي يعتبر من الفنانين الشباب القلائل المتميزين بصوت ممتاز وتنوع في الاختيارات الغنائية، وأيضا في أدائه المباشر. إنه فنان بحاضره ومستقبله الذي لن ينازعه فيه أحد.
في السهرة نفسها كان مغني الراب علي الصامد، بشهرته التي تعدت حدود الوطن، فكانت سهرة أولى بمزيج من التألق والتميز، أبرز فيها الصامد أن هذا الفن لا يكتفي بالصمود فحسب، بل يستمر متوهجا وشعبيا وقويا.
في اليوم الثاني كان المشهد طربيا بامتياز مع الفنانة المغربية جدا جدا، آمال عبد القادر، بقدراتها الصوتية المذهلة التي لم تنل منها الأيام. إنها فنانة رائعة.
حضرت أيضا من مصر الفنانة أسرار الجمال، التي قدمت باقة من أجمل الأغاني فتحولت مناسبة الاحتفال بعيد العرش إلى قضية مغربية مصرية بامتياز.
في الليلة نفسها تألقت الفنانة الشابة وصال فارس، التي تعد بمسيرة فنية واعدة، وهي التي سجلت مؤخرا عددا من الأغاني الجميلة والراقية.
في ثالث الليالي حلت فرقة سهيل السرغيني من غرناطة الأندلسية، بمغاربتها وإسبانييها، واستعادت بهجة الحنين وعذوبة الطرب في فن له الكثير من العشاق المشتركين بين الضفتين.
في الليلة نفسها سعد الجمهور باسم له رنينه الخاص على السمع والقلب، إنها الفنانة سعيد فكري، هذه الرائعة فنيا وإنسانيا، بأغانيها الملتزمة التي لم ترد لها بديلا، إنها الفنانة الوفية لفن صار نادرا، لكنه يستمر جميلا ورائعا ومحبوبا.
في رابع سهرة كانت المفاجأة الحلوة بحضور الفنانة المخضرمة ريموندا البيضاوية، هذه المرأة التي لم تعبث بصوتها وأدائها عوادي السنين حتى وهي في الثمانين، واستمرت طفلة في صوتها وروحها، وبكت أكثر من مرة وهي ترى استقبال الجمهور لها.. أن تكوني مغربية فالبعد ليس معضلة. الحب يبقى.
في السهرة نفسها كانت هذه المبدعة التي تحمل اسم عبير.. اسم على مسمى، هذه الفنانة القوية والمرحة تستطيع أن تسافر في الزمن وتقدم أجمل ما في هذا الفن المغربي الأندلسي.
في كل هذا كان فريق تقديم فقرات السهرات متناغما منسجما ومحترفا، بقيادة المتألقة إنصاف المغنوحي، وبرفقتها سفيان الزرزوري وإلياس البوشري وأشرف بوجنزير.
كانت السهرة الختامية مذهلة في كل شيء، فقد تحول فضاء باب الديوانة إلى محج لطنجة كلها، وحتى من خارج طنجة، حين حضر أزيد من 50 الف متفرج لسهرة الرابور الشهير مسلم، وفي السهرة نفسها كان الرابور الشاب الروبيو، الذي أبدع وأمتع.
ربما أفضل من عبر عن طبيعة هذه السهرة هو مسلم نفسه، الذي عبر عن الكثير من التقدير للمهرجان ومنظميه، فهذا الفنان قدم المئات من السهرات في أماكن عديدة، لذلك فهو يعرف معنى النجاح، لذلك قدم أحر التحية والشكر لمؤسسة طنجة الكبرى المنظمة لمهرجان صيف طنجة الدولي.
انتهت النسخة الثانية من المهرجان برفع سقف النجاح، والآتي أجمل، فقد أصبحت مؤسسة طنجة الكبرى مدرسة للتفوق.