إنه يوم الحظ السعيد للحيوانات المريضة في دار إيطاليا وهي قصر ضخم يقع في زنقة ذات انحدار قبالة عيادة شيدها طبيب طنجاوي عام 1904 تخليدا لذكرى زوجته دونا بنشيمول.
يعتبر هذا القصر، الذي أصبح ملكا للدولة الإيطالية عنوانا على النجاح التام فيما يخص أحجامه ومقاييسه. بيد أن الإخفاق يعتوره فيما يهم التفاصيل والتي تعتبر غالبا غير ذات قيمة. شيده السلطان عبد العزيز حين وصول الماريشال ليوطي. وكان قد حل بطنجة كي ينتظر أياما أفضل من تلك التي عاشها في فاس. كم يبدو مثيرا للفضول هذا الكم من البشر الذين صرفوا حياتهم وهم ينتظرون شيئا أو شخصا ما.
وفرة من أشجار البرتقال والصنوبر ومتاهة من الساحات والقاعات الداخلية وكيلومترات من الأروقة والأجنحة ومدافئ باروكية وعقبان ذات ياقات في شكل بجع منحوتة من الرخام الرمادي. الجبس الأزرق النيلي الذي يشبه ما يمكن العثور عليه في المدينة العتيقة والسقوف المرصعة. غمغمة النوافير ونخلة. سوف يتردد مبدع هذا المنزل بالأمس ومئات العمال المشغولين بترميمه الآن دائما وباطراد بين شعوري العظمة والانحطاط.
كنت أتملى من خلال نافذة في الطابق الأول جزءا مدمجا من حي للصفيح وكتلة من المنازل ذات واجهات متلاحمة؛ وهو ما يمثل بداية جنينية لحي لم يتح له أن يكتمل ويشبه كثيرا حي آرسنال في البندقية. دفعت بابا صغيرا في الطابق السفلي يفضي إلى زاوية فارغة. دخلت في غمرة الظل. نهضت امرأة متربعة فوق الأرضية بسرعة وجمعت سجادتها ثم غادرت الغرفة القهقرى. لقد أزعجتها وهي منهمكة في أداء صلاتها. كانت مارة والمؤذن يدعو إلى الصلاة، ولأنها تعرف البواب، فإنها دلفت إلى المكان لكي تؤدي صلاتها في مأمن عن العيون المتلصصة.
عدت في المساء صحبة صديقين في ساعة البينغو. وكان من المستحيل العثور على موضع للسيارة. كانت السيارات تملأ المكان. توافدت نخبة المجتمع الطنجاوي بكثافة. جدير بالذكر أن أهل طنجة يعشقون ارتداء الثياب والخروج واللقاءات، كما أنهم مهووسون بالكوكتيلات والحفلات، وهم لا يملون من اللقاءات الاجتماعية. يحدث في يوم ما أن يهجموا على مفوضية إسبانيا لكي يتملوا برؤية القنصل الجديد الذي جاء لتوه من نيويورك، وسوف يحتفلون في اليوم التالي في كاب سبارطيل، وهكذا دواليك على امتداد الأيام. تشبه حياتهم حلقة مفرغة.
ساحة تحت الأقواس، والمساء الذي يقترب بهدوء. كان دافيد هربرت، الذي يحيط عنقه بفراشة ضخمة يحرك جرس البينغو. يعتبر البينغو لعبة قمار ذات أصول أمريكية، ودافيد هربرت هو نجل اللورد هربرت الذي يعتبر بدوره الابن الأكبر للكونت الخامس عشر لبيمبروك والكونت الثاني عشر لمونتغمري. ولأنه ابن ثان، فإنه لم يرث أي لقب، وقد أطلقت عليه طنجة بحنو ومحبة لقب “الملكة غير المتوجة”.