أبعدتني الرباط عن صديقات عزيزات بطنجة، وهن لسن كثيرات، بل يُحصيْن على رؤوس الأصابع. عشرة أولئك الصديقات فيها عبق الوفاء والمحبة التي لا تزول أبدا، رغم البعد وانقطاع أخبارنا أحيانا، فهن قابعات في القلب.
أيام الصداقة في طنجة كانت طويلة وغنية، وأتذكر اسما عزيزا لا أنساه أبدا، اسم خديجة العزاوي، التي تشاركت معها بعض الأقسام الدراسية، وكان بيننا تواصل عفوي وسريع.
لم تنقطع علاقتنا ولم تقتصر على الدراسة فقط، فقد كانت خديجة تلميذة مجدة وذكية وتشارك بفعالية في كل النقاشات. كنا نلتقي في بيتهم بحي “سوق البقر” ونتداول كل المواضيع السياسية والاجتماعية، وأعترف أني مدينة لها كثيرا من حيث اهتمامي بالسياسة وانخراطي في عالم الأحداث العالمية، ومدينة لها أيضا باجتيازي لمباراة الصحافة بنجاح، حيث كرست لي كثيرا من وقتها لنتداول شؤون العالم وما يحدث في المغرب وخارجه، حيث كانت تعطيني صورة واضحة عن أحداث الساعة آنذاك، وكانت، رغم توجهها العلمي، قارئة نهمة ومهتمة كثيرا بالسياسة، ولولا ظروف عائلتها المحافظة لكانت اليوم من أبرز المحللات السياسيات أو إحدى أكبر وألمع الصحافيات، فالحظ يكون أحيانا حجر عثرة أمام كفاءات حقيقية يقبرها الظل. غير أني متأكدة أنها، حيثما كانت الآن، ستكون امرأة لها مواقف وفاعلة في مجالها.
أيضا، تحية صدق ووفاء لحفيظة عزيبو، التي تشاركنا الحلو والمر. أحببت هدوءها وتبصرها، ولم أتذكر يوما أنها غضبت أو انفعلت، فقد كانت تمر مرور النسيم. كانت طيبة ومعطاءة وخدومة بلا ادعاء أو عياء.
في بيت عائلتها عرفت حكاية الاعتقال السياسي، وهناك كنا نتبادل الآراء والنقاش حول عالم السياسة وشباب الاعتقال الذين ناضلوا من أجل قيم مغرب جديد.
من خلال حفيظة عرفت عالم “المْصلّى” وحميميته. كنت أحب زيارتها ونسجت معها والعائلة علاقة ود دائم إلى الآن، ورغم البعد أتتبع أخبارها.
لكن انقطعت عني أخبار وفاء الشرقاوي، وهي أيضا من صديقات طنجة اللواتي لا أنساهن. كنا ندرس بالتناوب في بيتنا بـ”حومة بلجيكا” أو بيتها في حي الدرادب، خاصة أيام الباكالوريا.
تمر بذاكرتي أسماء زميلات الدراسة مثل بشرى المامون، نجمة الرياضيات، ومعها نجمات أخريات مثل آسية الوهابي، بنت حومة الدار البيضا، وهند أخمليش، وهي فتاة مجتهدة تحول مسارها إلى الأدب بقدرة الظروف.
وهناك المجدة المنضبطة إيمان المجاهد، التي كنا نعرف أنها بنت الأستاذة لعمارتي . جهدها الدؤوب لم يرح سدى، وهي اليوم طبيبة نساء مقتدرة في طنجة، والوهابي مهندسة شاطرة، وبشرى أستاذة رياضيات، مادتها المفضلة. أما العزاوي فقد اعترضتها ظروف لم تمكنها من مواصلة دراستها كما تشتهي.
أحب أن أعترف بجميل أيام راقية لفتيات جميلات رائعات أهدينني الحكمة والجمال والمرح، وهنا أقف عند أمل قشرييين، صاحبة الابتسامة الدائمة، حينما تحجبت زاد مرحها وخفة ظلها وكانت تردد عبارة “المخ كان عندي فوق الشعر.. ودابا ولى فوق السّبْنية”.
أتذكر إكرام مراحة، الودودة اللطيفة التي تهنأ مع أسرتها في تطوان. وأتذكر أمل الميموني، التي كابدت لأجل تحقيق حلمها وصارت صيدلانية.
وفي الرباط عرفت طنجاويات جميلات طيبات ونسجت معهن صداقة عميقة مثل سناء الزناكي، الرقيقة جدا التي جاءت لتدرس الطب، لكن حساسيتها المفرطة خذلتها، وكذا اشتياقها اليومي لحضن والدتها الدافئ في طنجة. كان الطب كابوسا حقيقيا لم تستطع أن تتغلب عليه فعادت إلى طنجة، بينما فاطمة ونعيمة وإيمان طنجاويات أخريات استطعن أن يقلن كلمتهن في عالم الطب.
لا بد أن أتذكر أيضا الطنجاوية العنيدة الملتزمة الخلوقة وزميلتي في مهنة المتاعب لطيفة لعروسني، التي تعمل بصمت مثير وبلا أضواء.. وتحية إلى نزهة بنادي، المذيعة الوديعة الصابرة الطموحة. أحلى البنات بنات طنجة.. هن فنانات في التعامل مع الحياة على اختلاف عوالمهن، ولكل مدينة نساؤها ورجالها، والعبرة في حسن التعامل، والصدق في حفظ أريج العلاقات الطيبة التي لازالت مستمرة رغم كيد الزمن. سلام على كل الصداقات الخالصة.
سميرة مغداد: مديرة مكتب مجلة “سيدتي” بالمغرب
3 تعليقات
مقال جميل و ذو إحساس صادق من سيدة رائعة و هادئة و صدوقة في معاملتها مع كل من يحيط بها من قريب أو من بعيد ، شكرا لك اختي سمير لقد اعدتيني لسنوات الثمانينات و أجمل أيام الدراسة بثانوية مواي رشيد بطنجة ، و جعلتيني أتذكر معظم صديقات الدراسة وقتها ، و كيف كنا كبيرات في عقولنا و مستوانا الدراسي كنا مثقفات و سياسيات و فنانات و نشيطات و مبدعات، و كنا متحدات تجد كل القسم على وثيرة واحدة ، نخلق جو المرح بمواضيع بسيطة ، أتمنى ان يقرأ من ذكرتيهن في مقالك الجميل و يتصلن بك ، و تجتمعن مرة اخرى و تعدن ذكريات تلك السنوات الرائعة رغم قساوة ظروفها و معيشتها كنا نعيش بقناعة و حميمية ، أتأسف لأبنائنا الذين يعيشون زمن العولمة و زمن الكل مجتمع و الكل مبتعد ولو في نفس المكان ، نكنا نفرح بقراءة قصة و ننتظر الصباح لكي نلتقي و نحكي عنها لبعضنا ، و ننقاش المستجدات من المواضيع سواء المحظورة او المباحة بكل صدق و موضوعية، مؤخرا التقين بالأستاذة العمارتي كعادتها انيقة و بسيطة و متواضعة و حنونة في حفل زفال بنت صديقتي مجيدة القطني التي أود ان أشكرها بالمناسبة على أنها استطاعت ان تجمعنا في حفل زفاف ابنتها البارة مع صديقات العمر صديقات ثانوية مولاي رشيد مرحنا و ضخكنا و بكينا و تناقشنا و تمنينا لو طال للوقت لنستمع أكثر مع بعض و حضنتنا استاذتنا العمارتي بكل حب و فرح و كانت سعيدة بلقائنا ، مجتمعات كما عهدتنا في سابقا و نحن تلامذتها ، شكرا أختي سميرة أنك أيقظت ذاكرتي .
مقال جميل و ذو إحساس صادق من سيدة رائعة و هادئة و صدوقة في معاملتها مع كل من يحيط بها من قريب أو من بعيد ، شكرا لك اختي سمير لقد اعدتيني لسنوات الثمانينات و أجمل أيام الدراسة بثانوية مولاي رشيد بطنجة ، و جعلتيني أتذكر معظم صديقات الدراسة وقتها ، و كيف كنا كبيرات في عقولنا و مستوانا الدراسي كنا مثقفات و سياسيات و فنانات و نشيطات و مبدعات، و كنا متحدات تجد كل القسم على وثيرة واحدة ، نخلق جو المرح بمواضيع بسيطة ، أتمنى ان يقرأ موضوعك من ذكرتيهن في مقالك الجميل و يتصلن بك ، و تجتمعن مرة اخرى و تعدن معا ذكريات تلك السنوات الرائعة، رغم قساوة ظروفها و معيشتها كنا نعيش بقناعة و حميمية ، أتأسف لأبنائنا الذين يعيشون زمن العولمة و زمن الكل مجتمع و الكل مبتعد ولو وجدوا في نفس المكان ، كنا نفرح بقراءة قصة و ننتظر الصباح لكي نلتقي و نحكي عنها لبعضنا ، حتى حكايات السندبان البحري و طوم سويور ننتظر وقت غذاعها بشغف ، نتمتع بكل شيئ صغيرا أم كبيرا ، فعلا كنا نحس بالمتعة و نعرف قيمتها ، و ننقاش المستجدات من المواضيع سواء المحظورة او المباحة بكل صدق و موضوعية، مؤخرا التقيت بالأستاذة العمارتي كعادتها أنيقة و بسيطة و متواضعة و حنونة في حفل زفاف بنت صديقتي مجيدة القطني التي أود ان أشكرها بالمناسبة على أنها استطاعت أن تجمعنا في حفل زفاف ابنتها البارة مع صديقات العمر صديقات ثانوية مولاي رشيد مرحنا و ضحكنا و بكينا و تناقشنا و تمنينا لو طال الوقت لنستمتع أكثر مع بعض و حضنتنا أستاذتنا العمارتي بكل حب و فرح و كانت سعيدة بلقائنا ، مجتمعات كما عهدتنا سابقا و نحن تلامذتها ، شكرا أختي سميرة أنك أيقظت ذاكرتي .
Ana kan9lad 3ela chi bnet naas 0672845014