بعد أزيد من 500 عام على سقوط آخر قلاع الدولة الأندلسية في شبه الجزيرة الإيبيرية وتحول كل مساجد البلاد إلى كنائس وكاتدرائيات، عاد الجدل من جديد إلى البلاد بعد مطالبة مسلمين إسبان بتحويل جزء من مسجد قرطبة التاريخي إلى مسجد.
ويخوض مسلمون إسبان، خصوصا من بين الإسبان الذين اعتنقوا الإسلام، حملة قوية من أجل تحويل جزء من هذا المسجد الكبير، إلى مكان للصلاة، في ظل شح كبير للمساجد في إسبانيا، حسب ما تورده هيئات إسلامية.
رسائل إلى البابا
وكان مسلمون إسبان وجهوا في وقت سابق رسالة إلى بابا الفاتيكان السابق، بينديكت السادس عشر، يطلبون منه السماح بأداء المسلمين لشعائرهم اليومية في مسجد قرطبة، وهو الطلب الذي تقدموا به في وقت سابق أيضا إلى البابا الراحل يوحنا جان بولس الثاني، غير أن طلبهم قوبل بالرفض.
ويقود حملة العودة إلى مسجد قرطبة مسلمون يتحدر أغلبهم من المدينة نفسها التي يوجد بها المسجد، أو جمعيات وهيئات إسلامية.
وكانت تصريحات أدلى بها مسؤول كنسي إسباني في وقت سابق حول إمكانية الصلاة في مسجد قرطبة، الذي تحول إلى كاتدرائية بعد سقوط الأندلس، الجدل من جديد حول هذا المسجد الذي يعتبر آية في الجمال المعماري والهندسة الأندلسية الأيبيرية.
مجرد حسن نية
وتتهم أطراف مسيحية إسبانية المسلمين في إسبانيا بمحاولة تحويل مسجد قرطبة إلى “مكة أوروبا”، باعتباره المسجد الأكثر أهمية في أوروبا، ونظرا لحمولته التاريخية التي تجعل منه رمزا لقوة ونفوذ الإسلام في أوروبا أيام الحكم الإسلامي في الأندلس.
وكان رئيس هيئة الرهبنة في إسبانيا، المونسينيور ريكاردو بلاسكيث، قد صرح في لقاء جمعه سابقا مع وسائل إعلام إسبانية أنه لا يرى مانعا من أن يؤدي المسلمون الصلاة في مسجد قرطبة، مادامت الصلاة تتم بشكل فردي. غير أن بيانا صدر لاحقا عن الهيئة اعتبر تصريح المونسينيور بلاسكيث مجرد نية حسنة وأن ذلك لا يعني السماح للمسلمين الإسبان الصلاة في المسجد الكاتدرائية.

مكة أوروبا
وتعبّر أطراف يمينية، أغلبها مقرب من الكنيسة الكاثوليكية، عن تخوفها مما أسمته “هذا التسامح غير المتوقع إزاء السماح للمسلمين بتحويل “كاتدرائية” قرطبة إلى مسجد.
وكان مسلمون قد حاولوا من قبل الصلاة أمام محراب المسجد، غير أن أفراد الأمن الذين يحرسون المسجد تدخلوا ومنعوهم من ذلك.
وتتهم صحف مقربة من الهيئات الكنسية مسلمين إسبان ينشطون ضمن فروع الحزب الاشتراكي العمالي، كونهم يدعون إلى إعادة مسجد قرطبة إلى ممارسة دوره السابق أيام الحكم الإسلامي في الأندلس، وأن الإسبان الذين اعتنقوا الإسلام يريدون تحويل قرطبة إلى “مكة أوروبا” بواسطة المال الذي يصلهم من خارج البلاد.
الغبي أثنار
وقال بيان للفدرالية إن إسبانيا “بلد ديمقراطي وتحترم فيه حرية الأديان بموجب الدستور، وأن الإسلام تم الاعتراف به من بين الأديان الرئيسية في البلاد، إلى جانب المسيحية واليهودية، وهو ما يمنح المسلمين حقق ممارسة شعائرهم وبناء أماكن العبادة”.
واعتبر البيان أن “التحذيرات من السماح للمسلمين من الصلاة في مسجد قرطبة “لا تعكس التسامح الذي ينبغي أن يسود المجتمع الإسباني، وأن أماكن العبادة لا يجب أن تخيف أحدا سواء كانت مساجد إسلامية أو بيعا يهودية أو أماكن عبادة بوذية”.
وعادة ما تشن أطراف يمينية حملات ضد المظاهر الإسلامية في البلاد، والتي بدأت منذ سنوات، حين دعا رئيس الحكومة الإسباني السابق، خوسي ماريا أثنار، المسلمين إلى الاعتذار عن “احتلالهم إسبانيا لمدة ثمانية قرون”.
محلات وليس مساجد
وتعتبر هذه الأطراف أن هناك “توافقا بين المسلمين المتطرفين والمعتدلين من أجل المطالبة بالأندلس واسترجاع الحكم الإسلامي فيها”، وأنه “لا خلاف بين المسلمين المتطرفين والمعتدلين حول موضوع استرجاع الأندلس، وأن الإسبان الذين اعتنقوا الإسلام، خصوصا في منطقة الأندلس بالجنوب الإسباني، أصبحوا يتوفرون على عشرات المساجد”، في الوقت الذي تقول هيئات وجمعيات إسلامية إن هناك العشرات من المحلات الصغيرة أسفل العمارات التي تستعمل كأماكن للصلاة، وأن هناك افتقارا كبيرا للمساجد في البلاد.
يذكر أن مسجد قرطبة، الذي بدا بناؤه سنة 784 ميلادية، كان الأكبر من بين أزيد من ألف مسجد أيام كانت المدينة عاصمة للأندلس، ويعتبر تحفة معمارية ومزيجا من الفن الإسلامي الأيبيري.
لا توجد تعليقات
اللهم انصر الاسلام واعز المسلمين واعلو بعزتك راية الحق والدين